آداب المتعلم والمعلم بقلم :اد.. عادل القليعي أستاذ الفلسفة الإسلامية آداب حلوان
لماذا هذا الموضوع الآن ؟!
أقول دون حرج ودون تعميم ودون إطلاق الأحكام على عواهنها ، أقول للحالة المزرية التي وصلنا إليها ، علاقة المتعلم ، بمعلمه ، الطالب بأستاذه ، سوء أدب ، سوء معاملة ، تعالٍ وتكبر على الأستاذ ، عدم حياء واستحياء منه ، تنابز بالألقاب.
ما الذي حدث ، ما الذي أوصل الحال إلى ذلك ؟!.
قديما كانت العلاقة يسودها الود والاحترام والأدب الجم ، كنا نسمع حين يتحدث وننصت لكلامه ولا نقاطعه أبدا حتى ينتهي من شرح درسه ، وإذا ما كان لدينا استفسار كنا نرفع أيدينا بأدب ولا نتحدث إلا إذا أذن لنا بالكلام.
أيضا كنا نأتي قبل المحاضرة ونجلس في أماكننا في انتظاره، ليس هذا وحسب بل وكان يتهلل وجه كل منا وتملأه البسمة وتظهر علينا علامات السرور عند قدومه علينا ، ولا ننصرف من المحاضرة قبل انصرافه.
ما الذي حدث الآن هل الزمان تغير أم نحن الذين تغيرنا ، هل للمسلسلات والمسرحيات والأفلام الهابطة ، ومواقع التواصل الاجتماعي لهم دور في ذلك ؟!
هل لتفريط المعلم وتنازله عن حقه وإعطاء مساحة كبيرة للتلميذ أن يضحك معه ويهرج معه لأنه يأخذ معه درسًا خصوصيًا، هل لأن الوزارات المعنية خففت العقاب ، وأصبح في صورة اعتذار التلميذ أو الطالب بعد سبه وتلسنه وتنمره بأستاذه ، اعتذاره بكلمة متأسف تكفي ، هل لأن المسؤولين، مسؤول المدرسة مديرها أو عميد الكلية مثلا يقول لك معذرة لا تضع مستقبله وينتهي الأمر ، وإن كان هذا سببا في تطاوله وتماديه مرات ومرات ومرات على أستاذه (من أمن العقاب أساء الأدب)، هل لأن المعلم ضعيف الشخصية لا يستطيع أن يضبط محاضرته أو فصله ، فيحدث هرجا ومرجا في المحاضرات والحصص الدراسية.
أم لضعف المادة العلمية التي يقوم بتدريسها أم لعدم قدرته على توصيل معلومة قوية يستفيد منها الطلاب.
هل للأسرة التي نشأ فيها هذا التلميذ دور في هذا الأمر ؟!
هل لشعور الطلاب أنه ليس ثمة فائدة من تعليمه ، وأنها شهادة سيحصل عليها ثم يعلقها على حائط في منزله ، وأنه لن تكون هناك فرصة عمل فى انتظاره.؟!
السيدات والسادة ، هيا بنا نقدم تحليلا عقلانيا ، يعتمد على المنطق ، فنحن نخاطب عقولا ، جميعنا تعلم وبعضنا حصل على أعلى الشهادات الدراسية التعليمية ، صحيح كانت هناك خروقات وتجاوزات لكن ليست بهذه البشاعة والصورة الفجة التي نراها الآن ، هل كان في استطاعة أحد أن يشعل سيجارة مثلا أمام أستاذه ، وقتها كانت قامت الدنيا ولم تقعد وحدث ما لا يحمد عقباه ، أما الآن فحدث ولا حرج ، تهريج مع المدرس بألفاظ سوقية ، ما هذا الخلل والخبل الذي يحدث ، أين قيمة المعلم ما الذي أهدرها ، أين (قم للمعلم وفه التبجيلا ، كاد المعلم أن يكون رسولا).
إذا ركنا إلى القول أن الزمان تغير ، أقول لك هل الأخلاق تغيرت ، هل القيم تغيرت ، لا نعيب على الزمان (نعيب زماننا ، والعيب فينا ، وما لزماننا عيب سوانا)، العيب فينا نحن أهل الزمان ، الخلل حادث فينا نحن ، في أنفسنا ، فليفتش كل واحد منا بداخله وليبحث عن الآفة التي أصابته وضربت قيمه في صميمها ، ولا أحد يلوم الظروف ويجعلها شماعة يعلق عليها تدنيه القيمي وانسحاقه الحضاري.
صحيح ولا أنكر ذلك ، ظروف وضوائق مادية وأزمات اقتصادية طاحنة تضربنا ، لكن ليس مبررا يجعلنا نتخلى عن قيمنا وثوابتنا ، تجعل المعلم يتهاون في حقه ويجعل تلميذه يهينه لأنه يمد يده ويأخذ منه ثمن الدروس الخصوصية ، ليس ثم مبرر لتلك الإهانة والتطاول على الأساتذة ، فلنحافظ على شعرة معاوية ، الشعرة التي لو انقطعت أو تقطعت ستحدث الطآمة الكبرى وسيكون ضياع كامل لهيبة المعلم ولهيبة العملية التعليمية فلننقذ البقية المتبقية ، وهذه ليست مثالية مني ، فأنا أحيا في هذا الواقع ، لكن هي دعوة مني (أستمسكوا بأخلاقكم ، تمسكوا بقيمكم ، حافظوا يا أبنائي الأعزاء على هيبة معلميكم.
وأنتم يا زملائي الأعزاء في كل مراحل التعليم حافظوا على وقاركم وهيبتكم أمام طلابكم وتلاميذكم ولا تجعلوا النواحي المادية تطغى عليكم فتهينوا أنفسكم ، فالله تعالى لا يرضى لكم ذلك فقد كرمكم من فوق سبع سموات ورفع قدركم (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتو العلم درجات)، فلا تصبوا وابل اللعنات على الزمان وعلى الظروف.
نعم أهيب بالسادة المسؤولين عن الإعلام ، كونوا على قلب رجل واحد إن كنتم حقا تريدون نهضة حقيقية لهذا البلد ، قفوا وتصدوا بكل ما أوتيتم من قوة لهذه الهجمات الشرسة من كم الأفلام الهابطة والمسلسلات التي تسيء للأستاذ والتي تصوره بصورة غير لائقة والتي تصوره بصورة المحتاج الذي دائما في عوز (الأستاذ حمام “نجيب الريحاني” وبنت الباشا، والموظف الذي يعتني بالكلب)، لا يا أستاذي أنت قيمة عليا ومثل أعلى وقدوة للجميع حتى وإن كنت لا تجد حتى ثمن بذتك التي ترتديها.
صوروا المعلم في أبهى صورة ، وقدموه في أحسن صورة زيدوا من أعمالكم الدرامية ولتكن أعمالًا كثيرة (كضمير أبله حكمت ، وغيرها من الأعمال المعتبرة)، على الجانب الآخر أوقفوا مهزلة أفلام البلطجة والبرشمجية وغيرها التي أصابتنا في أبنائنا وبناتنا.
وزيدوا من البرامج التثقيفية وبرامج المسابقات كأوائل الطلبة وغيرها مع تقديم جوائز عينية بسيطة تشجيعية للتلميذ والمعلم.
كذلك أهيب بالسادة المسؤولين في الوزارات المعنية تفعيلها قانون العقوبات على من يسيء ويخطئ سواء من الطلاب أو المعلمين دون وساطة أو محسوبية فالكل سواء أمام القانون ، ونحن دولة مؤسسات يحكمها قانون ، بدءا من إبداء النصح والتوجيه إلى العقاب المعنوي ، وإذا لم يرتدعا تفعل العقوبات المادية التي قد تصل إلى الفصل والعزل من المدرسة أو الجامعة ، لا أن يترك الأمر هملا.
كذلك لا يمكن بحال من الأحوال إغفال دور الأسرة ، فهي المدرسة الأولى التي عليها معول كبير في تنشئة الأبناء تنشئة حسنة صالحة ، فيا أيها الأحبة هذبوا أبناءكم واغرسوا فيهم قيم الحب والود والاحترام ، علموهم الولاء والانتماء إلى مدارسهم وجامعاتهم ، قولوا لهم أن المعلم قيمة عليا وأنه لولاه لصرنا جهلاء ، قولوا لهم أنه من علمنا حرفا واحدا نكون له طائعين مخلصين محبين ، ازرعوا فيهم هذه القيم حتى نرقى.
كذلك على دور العبادة جهد كبير في هذا الأمر ، انصحوا الشباب في خطبكم ، في مواعظكم أن التعليم هو الأساس والركن الحصين الذي لابد أن نتحصن به ، قولوا أن فصول الدراسة ومدرجات الجامعات كمحاريب العبادة ، فكما تذهب للصلاة متأدبا مصطفا متراصا ، هكذا لابد أن تكونوا في مدرستكم وجامعتكم ، وكما تضفي على الأئمة هالة من التبجيل والاحترام ، فهكذا أساتذتكم في كل مراحل التعليم.
وأنتم أيها المعلمون تعاملوا بما يرضي الله مع طلابكم ، عاملوهم كأبنائكم ، فما لا ترضون لأبنائكم لا ترضوه للآخرين ، قدموا يد العون لهم ، لا تتعالوا عليهم ،قدموا لهم معلومة مفيدة ، اجعلوا جزءًا من محاضراتكم ندوة مصغرة وحلقة حوارية ، اسمعوهم إذا تحدثوا ، لا تنهروهم أمام زملائهم ، اجعلوا علاقتكم بهم علاقة طيبة ودودة ، بذلك سنسمو وسنعلو.
السيدات والسادة هل هذه الأمور صعبة ، أعتقد من الممكن تحقيقها.
أنصحكم بقراءة بعض مؤلفات في التربية ، كالمرشد الأمين في تربية البنات والبنين للطهطاوي ، أيها الولد للإمام الغزالي ، تهذيب الحدث والصبيان لأحمد مسكويه ، أدب الدنيا والدين للماوردي ، ميزان العمل للغزالي ، وجميع هذه المؤلفات متاحة على الإنترنت.
وإذا لم تستطيعوا كونوا أنتم كتبا اقرأوا أنتم صفحاتها بتجاربكم وعلموها لأبنائكم.
التعليقات مغلقة.