آفة أمثالنا
بقلم محمود حمدون
هو طريق آلام نسير فيه منذ بواكير الطفولة , هي تجارب استغرقتنا بعثراتها وكبواتها , شكّلت رؤيتنا للحياة , لا نعرف منها إلّا ما نراه الآن , هي المعين الذي نغرف منه كل يوم غرفة فتتساقط من بين أصابعنا قطرات تصبح حكايات يندهش لها الناس …
كان حديثه يتردد بصدره قبل أن يفور به لسانه , تأتيني همس كلماته , مسافة لا تزيد عن نصف متر تفصل بيننا , لكن بعُدت بيننا الشقة فإرتد كلُّ لزمنه , تُهنا عن بعضنا رغم تشابه عالمينا … أخرجته من دنيته بقولي : لكن لماذا نكتفي بالحكي والقول دون الفعل ؟
أجابني دون تردد : تلك آفة أمثالنا , فقد حكمت علينا الحياة مبكّرًا أن ننظر من بعيد , نمضغ تجاربنا الأليمة ونلوكها كما يفعل الصبية بقطع الحلوى , لكننا بطول الترقب والانتظار فقدنا جرأة الفعل …
ثم ساد صمت لفترة , لم يقطعه إلاّ حديث عابر بين رجلين , نباح كلب من بعيد , حفيف أوراق شجرة تجاهر مبكرًّا بعدائها للشتاء , بينما كلُّ منّا ينظر بداخله يبحث عن لحظة دفء تعيد إليه توازنه .
مرّ وقت وعندما تنبّهنا كانت ساعة الحساب قد أوشكت , فنهضنا وعزيمة تأخذ بخناقنا ألاّ نترك الفرصة وأن نحرص عليها فلم يبق كثير وبصمات أصابعنا لا زالت غضة لم تترك أثرها على الطريق بعد ونخشى أن تذروها الرياح كما فعلت بأسلافنا.
التعليقات مغلقة.