آية ومعنى :” إذ أوى الفتيةُ إلى الكهفِ فقالوا ربّنا آتِنا من لَّدُنكَ رحمةً وهييء لنا من أمرِنا رَشَدا ” الكهف١٠
آية ومعنى :” إذ أوى الفتيةُ إلى الكهفِ فقالوا ربّنا آتِنا من لَّدُنكَ رحمةً وهييء لنا من أمرِنا رَشَدا ” الكهف١٠
بقلم أشرف خاطر .
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمّان على سيدنا محمدأشرف الخلق وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن والاه واتّبعَ هداه إلى يوم الدين ، أمّا بعد ،،،
ثبت أنّ الروح الأمين جِبْرِيل _ عليه السلام _ كان يلقى النبي _ صلى الله عليه وسلم _ كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن ، ويقول عليه الصلاة والسلام : إقرأوا القرآن فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ” رواه مسلم
ومن الفضل العظيم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة لما لها من أسباب نزول السكينة والراحة والطمأنينة على نفس قارئها ومضيئة له من النور مابين الجمعتين كما قال عليه الصلاة والسلام : ” من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة ، أضاء له من النور ما بين الجمعتين ” ، فإن قرأت الكهف ووصلت إلى دعاء الفتية الذين آووا إلى الكهف في قوله تعالى على لسانهم :” ربّنا آتنا من لَّدُنك رحمةً وهييء لنا من أمرنا رشدا ” الكهف ، آية ١٠
فهل استوقفتك تلك الآية وتأملتها ملياً؟ وسألت نفسك لماذا قالوا ” ربنا آتنا من لَّدُنك رحمة ” ولَم يقولوا ” ربنا هب لنا من لَّدُنك رحمة ” ؟ وما هو الفرق بين ( آتنا ) وبين ( هب لنا ) ؟ وهل ( آتنا ) في هذا الموضع ووصف الفتية وتميزهم بالهداية والهدى وزادهم الله هدى ، هل( آتنا ) هنا أنسب لهم من ( هب لنا ) ؟ لاسيما وأن هناك قوله تعالى : ” ربنا لا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لَّدُنك رحمةً إنّك أنت الوّهاب ” آل عمران ، آية ٨ ،
هذا ما سنجيب عليه بإذن الله ،
على وجه العموم هناك فرقٌ بين ( آتنا ) وبين ( إعطنا ) وبين ( هب لنا ) ، فالعطاء يختلف عن الإتيان ، لأنك إن أتيت أحداً شيئاً ما فقد تسترده وتأخذه منه بعد ذلك ، وأيضاً إن أوتيت مُلكاً فقد ينتزعه الله منه ، كما في قوله تعالى : ” قل اللهمّ مالك الملك تُؤتي الْمُلْك من تشاء وتنزع الْمُلْك ممن تشاء بيدك الخير إنك على كل شَيْءٍ قدير ” آل عمران ، آية ٢٦
أمّا العطاء تكون فيه الهدية والعطية غير مستردة وتكون خالصة للمعطى له ويكون مستحقاً لها ، كما في قوله تعالى : ” إنَّا أعطيناك الكوثر ” ولَم يقل :” إنَّا آتيناك الكوثر ” فكل لفظة بالقرآن الكريم لها دلالتها ومعناه في موضعها الأنسب ،
أمّا الهبة فهي طلب قبول الهدية دون أن يستحقها فهي إنعامٌ من المُنعم ، كما في قوله تعالى : ” رب إغفر لي وهب لي مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدي إنًك أنت الوهاب ” سورة ص آية ٣٥
وفِي حالة فتية أهل الكهف بوضعهم هداة مهديين وزادهم الله هدىً، تميزوا بتركهم وهجرهم للكفر والحياة الرغدة وآثروا الضيق وشظف العيش ولجأوا للغار ، فبتميزهم هذا قالوا : ” ربنا آتنا ” وليس ” هب لنا ” هي الأنسب موضعاً لهم ، لماذا ؟ لأنهم متوقعين المزيد من التضحية والفداء والصبر والجلد ، فقد يأتيهم الله بأمرٍ فيه الهجرة إلى بلد آخر ، أو أن يؤمروا بقتل أنفسهم كما طُلب من بني إسرائيل على لسان نبي الله موسى _ عليه السلام _ قال الله تعالى :” وإذ قال موسى لقومه ياقوم إنكم ظلمتم أنفسكم بإتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خَيْرٌ لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنّه هو التوّاب الرحيم ” البقرة ، آية ٥٤
فكانت ( آتنا ) هي الأنسب لحالتهم الإيمانية القوية ، لأن الإتيان بشيء من الرحمة عادة يأتي بالإبتلاء والبلاء في ظاهره ولكن في باطنه الرحمة لحكمة من الله العليم الحكيم ، ومن الأمثلة على ذلك الإتيان : قتل سيدنا الخضر لغلامٍ أمام نبي الله موسى _ عليه السلام _ ، فقتله ظاهره مفجع وعملٌ مُنكر وفيه إبتلاءٌ عظيم لوالدي الغلام ، ولكن الرحمة إكتنفت هذا القتل لأن الغلام كان سيُرهق والديه طغياناً وكفراً ، كما أخبرنا ربنا تبارك وتعالى ،
وأيضاً من الأمثلة على الإتيان بظاهره المفجع ، عندما جاء رجلٌ من أقصى المدينة يسعى ليُحذّر نبي الله موسى _ عليه السلام _ قال تعالى : ” وجاء رجلٌ من أقصى المدينة يسعى قال ياموسى إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين ” القصص ، آية ٢٠
فبالرغم من أن ظاهر إتيان الرجل الى نبي الله موسى _ عليه السلام _ أرعبه بالخبر إلا أنه في باطنه الرحمة والنجاة والهروب من القوم الظالمين .
ومن الأمثلة أيضاً على الإتيان وظاهره في قوله تعالى :” حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة ياأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يُحطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ” النمل ، آيه ١٨
ففي قول النملة ( وهم لا يشعرون ) إلتفاتة مؤمن حتى وإن كانت نملة ، ففيها دلالة على عدل نبي الله سليمان _ عليه السلام _ ولذلك أحبتي في الله ، تبّسم ضاحكاً مسروراً من قولها لما أنصفته هو وجنوده وإعترفت بعدله وفضله وفضل جنوده في قولها ( وهم لايشعرون ) إشارة إلى العدل والرأفة فيمن تولوا أمور البشر والشجر والحجر والدواب ، رحم الله سيدنا الفاروق عمر بن الخطّاب _ رضي الله عنه وأرضاه _ القائل : ” لو أن بغلة تعثرت بالعراق ، أخاف أن يسألني ربي لماذا لم تُعبّد لها الطريق ياعمر ” .
ونظير قول النملة في جند نبي الله سليمان _ عليه السلام _ ” وهم لا يشعرون ” ، قول الله تعالى في جند سيدنا محمد _ عليه الصلاة والسلام _ ؛” … ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبهم منهم معرّة بغيرعلمٍ ليُدخل الله
في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذّبنا الذين كفروا منهم عذابا أليماً ” الفتح ، آية ٢٥ معرّة : إثم وغرامة ، إلتفاتاً الى أنهم لايقصدون هدر مؤمن ولا مؤمنه، والجميل في هذة المقارنة بين جند نبي الله سليمان _ عليه السلام _ وبين جند سيدنا محمد _ صلى الله عليه وسلم _ أنّ المُثني على الأول هي نملة ، وأنا المُثني على الثاني هو الله تبارك وتعالى بنفسه وبذاته العليّه ، لما لجند سيدنا محمد _ صلى الله عليه وسلم _ من فضلٍ على جند نبي الله سليمان _ عليه السلام _ ، وأشرنا إلى أحدهم سيدنا عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه وأرضاه ، أفرأيتم حباً لنبيٍ من ربه كحب الله لنبينا محمد _ صلى الله عليه وسلم _ .
وعودٌ على بدء ، فإن الهبة كلها خير ظاهرها وباطنها وعواقبها بإذن من الله وفضل فليس فيها بلاءٌ ولا إبتلاء إلا ماشاء الله ، ومن الأمثلة ، قوله تعالى : ” فلما إعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب ” سورة مريم ، آية ٤٩
قال تعالى :” الحمدلله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ” إبراهيم ، آية ٣٩
قال تعالى : ” هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لَّدُنك ذريةً طيبة” آل عمران ، آيةً٣٨
قال تعالى : ” ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً ” مريم ، ٥٣
قال تعالى ” فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه ” الأنبياء ٩٠
قال تعالى : ” والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ” الفرقان ٧٤
قال تعالى : ” وإمرأةٌ مؤمنةٌ إن وهبت نفسها للنبي ” الأحزاب ، ٥٠
قال تعالى ” ربِ هب لي من الصالحين ” الصافات ١٠٠
اللهمّ فقهنا في ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر ، وتوّفنا وأنت راضٍ عنّا ، مسلمين وألحقنا بالصالحين ، وصل اللهمّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، آمين .
التعليقات مغلقة.