آية ومعنى ” الْيَوْمَ أكملتُ لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي” المائدة ٣
آية ومعنى ” الْيَوْمَ أكملتُ لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي” المائدة ٣
بقلم أشرف خاطر
الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وإتّبع هداه ،
سبحانك ربي ماأعظمك في قولك تعالى : ” الْيَوْمَ أكملتُ لكم دينكم ….. الآية ” ولَم تقل : ” الليلة أكملت لكم دينكم … الآية ” أفلا ينفر الحجيج من على صعيد عرفات وقت غروب شمس التاسع من ذي الحجة ، إلى مزدلفة ويبيتون فيها ليلتهم ثم يذكرون الله كثيراً عند المشعر الحرام كذكرهم آبائهم أو أشد ذكرا ؟
ألم يقل الله عزّ وجل في نبيه موسى عليه السلام : ” وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم إتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ” البقرة ٥١ ؟
( أربعين ليلة ) أي إنقضاءها ثلاثون من ذي القعدة وعشر من ذي الحجة ، وأرتبط التاريخ والزمن بالليل دون النهار في القرآن الكريم ، قال تعالى : ” وآية لهم الليلُ نسلخ منه النهار ” يس ٣٧
، ولأن شهور العرب وضعت على سير القمر ، والهلال إنما يهل بالليل كما أهل علينا هلال رمضان ودخول الشهر من رؤية الهلال ولذلك نصلي التراويح ليلة صيام أول أيام رمضان ، ويسمى بالتقويم القمري ، وهو نعمة كبيرة على الصائمين حيث شهر رمضان المبارك يتنقل بين فصول السنة فتارة يأتي في فصل الشتاء وتارة أخرى يأتي في فصل الصيف ، ولو كان توقيتاً ميلادياً لثبت شهر رمضان بفصل معين لا يتغير كالصيف مثلاً ولا يتغير بتغير الفصول ويظل دائماً في فصل الصيف مثلاً أو العكس وهكذا …
وذهب موسى عليه السلام لميقات ربه ، واستخلف على بني إسرائيل أخاه هارون _ عليه السلام . _ ، ولما خرج بنو إسرائيل من مصر أخذوا حليّاً من قوم فرعون ولَم يردوها لأصحابها _ دلوقتي إحنا عاوزين الذهب بتاعنا _ وبما أنهم إغتصبوهاً ظلماً وعدواناً ، كانت تلك الحُليّ الذهبيّة وبالاً عليهم ، فقام السامري ، وجعل منها عجلاً له خوار ، فأضلهم وقال لهم هذا إلاهكم وإله موسى ، ثم بعد ذلك عفا الله عنهم لأنه ربٌ رحيم يحب التوّابين وأراد سبحانه أن يمنّ على بني إسرائيل ويعوضهم عما إبتلاهم من ذبح أبناءهم وأستحيوا نساءهم والذي كان بلاءاً عظيما . ورجع موسى عليه السلام بالألواح وهي التوارة وشريعتهم مثلهم مثل باقي الأمم التي سبقتهم أتتهم رسلهم بالشرائع السماوية ، أما الدين فهو دين واحد وهو الدين الذي أرتضاه الله لعباده وللعالمين ، وهو دين الإسلام من لدن آدم عليه السلام ، وللأسف كثيرٌ من الناس يستخدم الدين كمصطلح مرادف للشريعة ، في حين قال الله تعالى : ” لكلٍ جعلنا منكم شِرعةً ومنهاجا ” المائدة ٥ ، ولَم يستخدم التعبير ” لكلٍ جعلنا منكم ديناً ومنهاجا ” ذلك لأن الدين واحد ، فدين نوح عليه السلام وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد _ عليهم السلام هو دينٌ واحدٌ هو دين الإسلام ، وأصحاب الشرائع هم الأنبياء أولو العزم وبعثوا بدينٍ واحد .
فهل يعقل أن يأتي آدم عليه السلام بدينٍ وعقائد حقة ، ثم تكون هذة العقائد مؤقته بزمنٍ معين ، فيأتي نوح عليه السلام وينسخ العقائد التي أتى بها آدم ، ثم يأتي إبراهيم عليه السلام وينسخ ما أتى به نوح عليه السلام وهكذا …. ؟ إن هذا أمرٌ لا يُعقل ، فيستحيل نسخ التوحيد أو النبوة ، وإنما يقع النسخ في الشرائع إلا أركانها ، فأصل وجوب الصلاة والزكاة ثابتة في شريعة كل نبي ، قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام _ : ” وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمتُ حيّاً ” مريم ١٩ ، وكذلك الحج فكل الأنبياء _ عليهم السلام _ حجوا البيت الحرام ، وكذلك الجهاد والصوم ، قد يختلف الصوم في أشكاله وكذلك الصلاة ولكن أصل وجوبهما ثابت في كل الشرائع .
كل الأنبياء والرسل _ عليهم السلام _ دينهم واحد وهو الإسلام ، حتى فرعون قال حين أدركه الغرق : ” قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ” يونس ٩٠
قال نبي الله إبراهيم _ عليه السلام وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة والسلام _ ” ووصى بها إبراهيمُ بنيه ويعقوب يابني إن الله إصطفى لكم الدين فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون ” البقرة ١٣٢
وقال نبي الله يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم _ عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة والسلام _ ” توفني مسلماً وألحقني بالصالحين ” يوسف ١٠١
وقال نبي الله وكليمه موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام : ” وقال موسى ياقوم إن كُنتُم آمَنتُم بالله فعليه توكلوا إن كُنتُم مسلمين ” يونس ٨٤
وقال نبي الله وروح الله وكلمته التي ألقاها إلى أمه ، عيسى ابن مريم ، والذي بشّرَ برسولٍ يأتي من بعده أسمه أحمد _ عليهم أفضل الصلاة والسلام _ قال : ” فَلَمَّا أحسَّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الْحَوَارِيُّونَ نحن أنصار الله آمَنَّا بالله واشهد بِأَنَّا مسلمون ” آلِ عمران ٥٢
وتأتي الآية الجامعة لكل الأنبياء وهم يقرُّون بأنهم مسلمون ، قال تعالى ” قولوا آمَنَّا بالله وما أُنزِل إلينا ونا أُنزِل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أُوتيّ موسى وعيسى وما أُوتيّ النبيون من ربهم لا نفرِّق بين أحدٍ من أحدٍ منهم ونحن له مسلمون ” البقرة ١٣٦ ، يالله …. تخيلوا الآن وأنا أكتب تلك الآية الكريمة ، أخطأت خطأً إملائيا وكتبت كلمة مكان كلمة فقلت ( وما أُوتِي النبيون من بعدهم ) بدلاً من ( وما أُوتِي النَّبِيُّون من ربهم ) ، وضعت كلمة ( بعدهم ) بدلاً من كلمة ( ربهم ) ، فهل ستشعرون بإختلافٍ في الوزن والمعنى ؟ ، الإختلاف في الوزن فلا ، أمّا المعنى فإنه جريمة لا تُغتفر لأن بذلك تنتفي صفة النبي الخاتم وآخر الأنبياء والرسل ، عن سيدنا محمد _ صلى الله عليه وسلم _ خاصةً ذُكر نبي الله عيسى _ عليه السلام قبلها ، هكذا فعلوا بكتب الله السماوية حرّفوها وتعددت فأختلفوا وأختلفت قلوبهم وعُميّت أبصارهم وأنتقصت شرائعهم ، فأرسل الله سبحانه وتعالى الرحمةً المُهداة للعالمين ، بالشريعة الإسلامية والتي تدعو إلى دين الله الواحد الأحد دين الإسلام ، إنّه رسول الله سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم _ خاتم الأنبياء والرسل ، أرسله ربه بمنهج مُكمل لكل الشرائع ، فكانت الآيه الكريمة : قال تعالى ” الْيَوْمَ أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ” المائدة ٣
وعودٌ على بدء ، بدأ الله تعالى الآية الكريمة بكلمة ( اليوم ) بمدلولها العظيم إنّه يوم عرفة يوم الحج الأكبر ، المشهد المُصغَّر الذي يضاهي يوم القيامة حيث تكررت الكلمة ( اليوم ) في قوله تعالى : ” لمن الملك اليوم لله الواحد الْقَهَّار ” .
ما أعظمك ربي وما أعظم كلماتك التامّات الطيبات ، لاإله إلا الله عدد كلماته التامّات الطيبّات ، اللهمّ رُدّنا إليك رداً جميلاً ، وارفع مقتك وغضبك عنّا ، وافتح لنا أبواب رحمتك وأبواب بيوتك وبيتك الحرام فأنت الكريم الذي لا يُضام ، وصل اللهمّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، آمين .
بقلمي : أشرف خاطر .
التعليقات مغلقة.