آية ومعنى : ” ربُّ المَشْرِقَينِ وربُّ المَغرِبَين ” سورة الرحمن الآية ١٧
آية ومعنى : ” ربُّ المَشْرِقَينِ وربُّ المَغرِبَين ” سورة الرحمن الآية ١٧
بقلمي : أشرف خاطر .
الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله _ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه واتّبع هداه ،
جاء بالقرآن الكريم ، ذِكرُ المشرق والمغرب في صيغة المفرد في قوله تعالى ” ربُ المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ” سورة المُزّمل ، آية ٩
وفِي صيغة المثنى في قوله تعالى ” ربُّ المشرقين وربُّ المغربين ” سورة الرحمن آية ١٧
وفِي صيغة الجمع ، في قوله تعالى ” فلا أُقسم برب المشارق والمغارب إنَّا لقادرون ” سورة المعارج آية ٤٠
فصيغة المفرد فسّرها المفسرون بأينما كنّا وحيثما وُجدنا رأينا للشمس مشرقاً ومغرباً ، وفِي التثنية فسَّروها بمشرقّي ومغربّي الشمس في الشتاء والصيف ، وفِي الجمع قالوا بأن مكان الشروق والغروب يتغيران كل يوم تغيراً طفيفاً أي ان الشمس تشرق وتغرب كل يوم من مكان مختلف على مر السنة وهذا بدوره يعني وجود مشارق ومغارب بعدد أيام السنة ، وبعضهم حديثاً تطرّق إلى أنه في مجرتنا أكثر من ١٧ مليار كوكب شبيه بالأرض تدور حول نجومها في فلكها ولها مشارق ومغارب لا نهاية لها ،
قرأ سيدنا إبن مسعود وسيدنا إبن عبّاس رضي الله عنهما ، قوله تعالى ” والشمس تجري لمستقرٍ لها …” يس ٣٨، أي لا قرار لها ولا سكون ، بل هي سائرة ليلاً ونهاراً ، وهو ما يظهر الإعجاز اللغوي والعلمي في التعبير ،
في ذكر المشرقين والمغربين ، كتثنيةٍ قال أحد العلماء بأن سياق الآية والآية التي قبلها تتحدث عن الثقلين الإنس والجان ، وأن صيغة المثنى هي الغالبة في آيات سورة الرحمن ، فقد يبدو من الأنسب أن يُذكرا المشرقين والمغربين ، أيضاً في صيغة المثنى .
وإستطراداً وإستقراءاً على ماسبق ، سأتناول الآية الكريمة موضوع المقال بمنظورٍ يربط بين دلالتها وورودها بصيغها الثلاث ، وبين البعد الزمني والمكاني لإرتباط الشروق والغروب بالزمن والأزمنة ، ومنّه سنعرّج على الزمن بين المشرقين تحديداً .
قال تعالى : ( إنّ عدّة الشهور عند الله إثنا عشر شهراً في كتاب …. ) سورة التوبة آية ٣٦ فالشهر يتكون من أيام والأيام من ساعات والساعات من دقائق والدقائق من ثواني والثواني من فيمتو ثانية _ رحم الله العالم المصري الدكتور أحمد زويل ، الحاصل على جائزة نوبل عام ١٩٩٩ م في العلوم ، في الفيمتو ثانية وسجله الحافل بالإنجازات العلمية _ .
سنبدأ بما انتهى إليه ذو القرنين الذي جاب مشارق الأرض ومغاربها ، قال تعالى في سورة الكهف عن ذي القرنين ” حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قومٍ لم نجعل لهم من دونها سِترا ” الكهف ، آية ٩٠
ذو القرنين إتجه إلى المشرق قادماً من الغرب حتى وصل إلى مطلع الشمس ووجد قوماً لا يسترهم عن الشمس شيء بمعنى أن إحتمالية أنهم عرايا كما في بعض القبائل الأفريقية هذا إحتمال مستبعد وإمَّا أن الشمس عندهم معظم السنّة ولا تغيب عنهم فيكون غروبها ساتراً لهم من الشمس _ وهذا هو الإحتمال الأرجح _ وهذا يعني مدة الشروق في هذة البقعة أشهراً وليست ساعات وقال العلماء بأنها في أقصى الشمال الشرقي ناحية سيبيريا ، ولو تقهقرنا غرباً من حيث أتى ذو القرنين سنجد بلاداً شتى فروق التوقيت في شروق الشمس تتدرج من الثواني إلى الدقائق إلى الساعات إلى اليوم إلى الأيام ، فَلَو كنّا بمدينة صينية _ على سبيل المثال وكان شروق الشمس فيها عند الساعة الرابعة صباحاً ، وبحساب الفلك وميل محور دوران الأرض عن المحور الرأسي والذي يسبب إختلاف الفصول ، ومن ثم إختلاف مكان ووقت الشروق والغروب على الأرض ، فإن أردنا أن يكون الفرق بين مشرقها في الصين وبين البقعة التي تحددها الحسابات الفلكية هي يوم واحد ، ستخبرنا بأن البقعة هي مثلاً غرب تكساس بالولايات المتحدة _ على سبيل المثال _ وهذا التناول ليس ضرباً من الخيال العلمي ، ودليل صحة ذلك أن القدماء المصريين منذ ثلاثة آلاف وثلاثمائة ٣٣٠٠ عام إستقطبوا أشعة الشمس عند شروقها وجعلوها بحساباتهم الفلكية ونبوغهم في الرياضيات والعلوم ، تسقط على وتتعامد على وجه تمثال رمسيس الثاني _ أحد أعظم ملوك وحكّام مصر _ مرتين في العام في يومين محددين في السنة وهما يوم ٢٢ أكتوبر وهو ذكرى مولده وهو يمثل بداية موسم الزراعة ، واليوم الثاني ٢٢ فبراير وهو يوم جلوسه على العرش ، ويعتبر بداية لموسم الحصاد ، من نفس العام وكل عام إلى الآن ، حيث كان المهندسون المصريون القدماء قد قاموا بتصميم المعبد _ معبد أبي سمبل _ بناء على دراساتهم الدقيقة ومعرفتهم بأصول علم الفلك وحسابات كثيرة لتحديد زاوية الإنحراف لمحور المعبد عن الشرق بجانب المعجزة في المعمار بأن يكون المحور مستقيماً لمسافة أكثر من ٦٠ متراً حيث حددوا اليومين سلفاً قبل نحت المعبد ، حيث تدخل الشمس من واجهة المعبد لتقطع مسافة ٢٠٠ متر لتصل إلى قدس الأقداس ، الذي يضم تمثال رمسيس الثاني ويحيط به تمثالا رع حور أختي وآمون ، فيما تقطع أشعة الشمس ٦٠ متراً أخرى لتتعامد على تمثال الملك رمسيس الثاني وتمثال آمون رع إله طيبة ، صانعة إطاراً من النور والضياء حول التمثالين بطول ٣٥٥ سم وعرض ١٨٥ سم ، ولا ينتهي إبهار المصريين القدماء عند هذا الحد ، ففي تلك الظاهرة الفريدة العجيبة لا تتعامد الشمس على وجه تمثال بتاح ملك الظلمة عند القدماء وهو رابع تمثال بجوار الثلاثة تماثيل التى تنيرها أشعة الشمس .
قال تعالى ” حتى إذا جاءنا قال ياليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين ” سورة الزخرف ، آية ٣٨
فما الذي بين المشرقين ؟ أهي الأنهار والبحار والأشجار والبساتين والأزهار والصحاري والفيافي القفار ؟ إنه البعد الزمني وجريان الشمس بلا توقف وتقطع رحلاتها من أقصى نقطة بالشرق الأقصى إلى أقصى نقطة في غرب الكون ويكون في ذات الوقت مشارق ومغارب عديدة لا حصر لها ، وبذلك اندمج الإفراد والتثنية والجمع بذات الوقت للاشراق من أقصاها إلى أقصاها .
اللهمّ فقهنا في ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير ، اللهمّ بلّغنا ليلة القدر ، وقنا وأصرف عنا كل شر ، اللهمّ توفنا وأنت راضٍ عنَّا وألحقنا بالصالحين، وصلّ اللهمّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، آمين .
التعليقات مغلقة.