آية ومعنى : ” فإذا أَفَضتُم من عرفاتٍ فاذكُرُوا الله َ …” سورة البقرة ، آية ١٩٨
آية ومعنى : ” فإذا أَفَضتُم من عرفاتٍ فاذكُرُوا الله َ …” سورة البقرة ، آية ١٩٨
بقلم: أشرف خاطر .
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمّان على سيدنا محمد _ أشرف الأنبياء وسيد المُرسلين _ وعلى آله وصحبه أجمعين ومن والاه وإتّبع هداه إلى يوم الدين ، أمّا بعد ،،،
قال تعالى : ” ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفاتٍ فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كُنتُم من قبله لمن الضالين ” سورة البقرة ، آية ١٩٨
إبتغاء الفضل ورد في القرآن الكريم ، بمعنى التجارة ، قال تعالى :” فإذا قُضيّت الصلاةُ فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ” سورة الجمعة ، آية ١٠
وإبتغاء الفضل ( التجارة ) ليس القاسم المشترك الوحيد بين الآيتين الكريمتين سالفتا الذكر ، فهو أمر إباحة بأن لا إثم عليكم في طلب الرزق ، فالله سبحانه وتعالى أمر َ بتنزيه الحج عن الرفث والفسوق والجدال في الحج إلا أنه تعالى ، رّخص في التجارة ثم ذكر الإفاضة من عرفات وأمر الحجيج بذكر الله عند المشعر الحرام ، أي مزدلفة جميعها بصلاة المغرب والعشاء جمعاً ، والمبيت بها إتباعاً لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث قال عليه الصلاة والسلام : ” خذوا عني مناسككم ” ، في مشهد من أعظم المشاهد والذي لا يضاهيه عظمة ، إلا المشهد الآخر في آية سورة الجمعة ، حيث قوله تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خَيْرٌ لكم إن كُنتُم تعلمون (٩) فإذا قُضيت الصلاةُ فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تُفلحون (١٠) سورة الجمعة . وبمقارنة المشهدين العظيمين تتبين لنا عدة مسائل تبرز إعجاز القرآن الكريم في تصوير مشاهد متباينة إلا أن بينها قواسم مشتركة تصب كلها في صالح عُبَّاد الله المؤمنين الذاكرين الله كثيراً والذاكرات ،فيتكامل المشهدين العظيمين ، للذين تَرَكُوا البيع والشراء والتجارة وسعوا إلى ذكر الله، أيسعوا إلى صلاة الجمعة بالمساجد ، والمشهد الآخر للذين لا حرج عليهم في التجارة في المشاعر المقدسة للذين انتووا الحج في أشهر معلومات وأثناء مناسك الحج ثم أفاضوا من عرفات إلى مزدلفة وذكروا الله عند المشعر الحرام ( مزدلفة ) ،
قال تعالى : ” الحجُ أشهرٌ معلوماتٌ فمن فرض فيهنّ الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه الله وتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى واتقونِ ياأولي الألباب (١٩٧) ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفاتٍ فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كُنتُم من قبله لمن الضالين (١٩٨) ثم أفيضوا من حيث أفاض النَّاسُ واستغفروا الله إنّ الله غَفُورٌ رحيم ٌ (١٩٩) فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشدَّ ذكراً فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق (٢٠٠) ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفِي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار (٢٠١) أولئك لهم نصيبٌ مما كسبوا والله سريع الحساب (٢٠٢) . سورة البقرة .
المسألة الأولى :
بآية المفيض من عرفات ، رقم ١٩٨ من سورة البقرة ، إبتغاء الفضل ( أي التجارة ) كزمنٍ هو قبل المفيض من عرفات ، أي وقت الوقوف بعرفات .
المسألة الثانية :
بآية الإنتشار بعد إنقضاء صلاة الجمعة ، آية (١٠) من سورة الجمعة ، إبتغاء الفضل ( التجارة ) كزمنٍ هو بعد إنقضاء صلاة الجمعة .
المسألة الثالثة :
بآية المفيض من عرفات ، طلب إبتغاء الفضل ( التجارة ) كمكان هو في مواضع مُحددة ومعلومة وهي المشاعر المقدسة لمناسك الحج جميعها ، كالحرم ، ومشعر منى ومشعر عرفات ، والمشاعر الحرام ( مزدلفة ) .
المسألة الرابعة :
بآية الإنتشار بعد صلاة الجمعة ، الآية العاشرة من سورة الجمعة ، طلب إبتغاء الفضل ( التجارة ) كمكان هو الأرض جميعها وليست محدودة في أماكن معينة ومحددة .
المسألة الخامسة :
في الأفضلية ، ففضل يوم عرفة ، فضل عظيم ، يُكّفر الله فيه الذنوب العظام ، ويضاعف فيه الصالح من الأعمال ، قال صلى الله عليه وسلم : ” أفضل الدعاء ، دعاء عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وروى الدارقطني عن عائشة _ رضي الله عنها _ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ما من يومٍ أكثر أن يعتق الله فيه عدداً من النار ، من يوم عرفة وإنّه ليدنو عز وجل ثم يباهي بهم الملائكة يقول ما أراد هؤلاء ، وفِي الموطأ عن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ما رُئي الشيطانُ يوماً هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة ، وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام ، إلا ما رأى يوم بدر ، قيل : وما رأى يوم بدر يارسول الله ؟ قال : أما إنه رأى جِبْرِيل يزعُ الملائكة .
وإستحب أهل العلم صوم يوم عرفة إلا من كان بعرفة ، حيث لم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو بعرفة في حجته ، فعن ابن عباس _ رضي الله عنه _ أن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ أفطر بعرفة ، وأرسلت إليه أم الفضل بلبنٍ فشربه ، واستحباب الإفطار بعرفة للتقوي على ذكر الله والدعاء وله مثل أجر الصائم إن شاء الله ، إتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : ” خذوا عني مناسككم ”
المسألة السادسة :
في الأفضلية ، ففضل يوم الجمعة ، هو أفضل أيام الأسبوع وعلى العبد أن يجتهد فيه بالأعمال الصالحات لنيل رحمة الله تعالى ، ورضوانه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خُلق آدم ، وفيه أُهبط ، وفيه تيب عليه ، وفيه مات ، وفيه تقوم الساعة ،وما من دابة إلا وهي مُصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة ، إلا الإنس والجان ، وفيه ساعة لا يوافقها عَبْدٌ مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إيّاه ، وعن أبي هُريرة _ رضي الله عنه _ قال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ ” الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات لما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر . وقال صلى الله عليه وسلم : ” أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة ، ومن أفضال يوم الجمعة النجاة من فتنة القبر لمن مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة ، فعن عبد الله ابن عمر _ رضي الله عنهما _ قال : قال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ ” ما من مسلم يموت يوم الجمعة ، أو ليلة الجمعة ، إلا وقاه الله فتنة القبر . ”
المسألة السابعة :
عقب المفيض من عرفات ، وعقب إنقضاء صلاة الجمعة ، أمر الله _ تبارك وتعالى _ عباده المؤمنين ، بذكره ذكراً كثيراً . قال تعالى ” إفإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تُفلحون ” سورة الجمعة آية ١٠
قال تعالى ” إذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاقٍ (٢٠٠ ) سورة البقرة .
اللهمّ فقهنا في ديننا الذي هو عصمة أمرنا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير واجعل الموت راحةً لنا من كل شر ، وتوفنا وأنت راضٍ عنّا ياأرحم الراحمين ،وصل اللهمّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، آمين .
التعليقات مغلقة.