آية ومعنى : ” فضَرَبنا على آذَانِهِم في الكهفِ سِنينَ عَدَدا ” الكهف ١١
آية ومعنى : ” فضَرَبنا على آذَانِهِم في الكهفِ سِنينَ عَدَدا ” الكهف ١١
بقلم : أشرف خاطر .
الحمدلله والصلاة والسلام الأتمّان على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وإتّبع هداه ، أمّا بعد ؛
قال تعالى ؛ ” فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ” الكهف ، آية ١١ ،
لِمَ خصَّ الله تبارك وتعالى الآذان والضرب عليها ، ووجود ضمير المتكلم ، بغرض أن يمكث أهل الكهف سنوات في سبات ؟ حيث كان الظاهر أن يُقال : فأصمّهم الله ، أو أنامهم الله . ؟
أحسبُ _ والله أَعْلَمُ بمراده _ أن في ذلك رحمة لفتية الكهف والتي سألوها من الله قبل أن يأووا إلى الكهف ، فالأذن هي أداة حاسة السمع ولقد تم تعطيلها عن عملها لكي يهنأوا بنومٍ هاديء وعميق وسُباتٍ لسنوات ، تم تعطيلها رحمةً بضربٍ محمودٍ فيه رحمة وتبيان ذلك للناس خاصة لأولئك الذين تجاسروا وتجرأوا على آيات الله واعتقدوا وأشاعوا بأن كل آيات الضرب بالقرآن الكريم ضرباً مؤذياً مُهيناً للمضروب .
كذلك من رحمة الله بهم لم يصفهم بصفة الصمم ( صُم ) والتي إرتبطت في القرآن الكريم بالذين كفروا ، وهذا تشريف لأهل الكهف وحفظاً لأجسادهم ولسيرتهم العطرة ولذكرهم ولسمعتهم الطيبّة .
قال تعالى ؛ ” أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم ” سورة محمد ، آيه ٢٣
قال تعالى :” ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون ” البقرة ، آية ١٧١ ،
وهذة من بلاغة القرآن الكريم وتكريمه للمؤمنين ، فبمنظورنا الدنيوي ومفهومنا القاصر ، أن من يُضرب على أذنيه تُخرق طبلة الأذن ويصاب المضروب بالصمم لفساد حاسة السمع ، ويكون الضارب مؤذياً والمضروب متأذيّا .
فالضرب على آذانهم : أي ألقينا عليهم النوم وسددنا آذانهم من نفوذ الأصوات والضوضاء إليهم ، وهذة من رحمة الله بهم ومكثوا على هذة الحال سنين معدودة ، وبالرغم من أن هناك ضارب ومضروب إلا أن الضرب لم يكن ضرباً فعلياً باليد الإلاهية ، حيث ثابت عند أهل السنة والجماعة ، إثبات اليد لله تبارك وتعالى ، قال تعالى ” ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ” سورة ص ، آية ٧٥ ، قال تعالى ” بل يداه مبسوطتان ” المائدة ، آية ٦٤
قال تعالى ” إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ” سورة الفتح ، آية ١٠
تم التصريح بوجود يد الله سبحانه وتعالى فوق أيدي الصحابة الكرام ، والمراد بهذا إثبات أن يد الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ قائمة مقام يد الله في إثبات هذة البيعة ، ورضاه عنها وهذا هو المجاز باللغة ، فمعلومٌ عند أهل الحق أن يده سبحانه ليست بين أيديهم وليست معهم ، ولكنه فوق العرش ، فوق جميع الخلق ، وهكذا قوله تعالى : ” لا تحزن إن الله معنا ” التوبة ، آية ٤٠ ، وقوله تعالى ” إنني معكم أسمع وأرى ” سورة طه ، آية ٤٦ ، وقوله تعالى ” وهو معكم أينما كُنتُم ” سورة الحديد ، آية ٤ ، ليس معناه أنه مختلط بهم وأنه بينهم ، وأنه عند فرعون مع موسى وهارون ، المراد معيّة الكلاءة والحفظ .
إن منهج القرآن الكريم منهج تام كامل ، قال تعالى : ” إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوّم ” الإسراء ، آية ٩ ، أي : أعدل وأعلى من العقائد والأعمال والأخلاق ، فمن إهتدى بما يدعو إليه القرآن كان أكمل الناس وأقومهم وأهداهم في جميع أموره ، إلا بعض الناس يتجاسر لتأييد أفكارهم وتبرير مايريدونه من الباطل بالإستدلال ببعض الآيات والأحاديث على غير وجهها ، ومن الآيات التي تناولها بعضهم قوله تعالى ” واللاّتي تخافون نشوزهنّ فعظوهن ّ واهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا ” سورة النساء ، آية ٣٤ ، فهذة الآية من أكثر الآيات التي يدندن عليها أعداء الإسلام وأذنابهم للطعن في الإسلام والتشنيع عليه فيشيعون في نواديهم _ زوراً وبهتاناً_ أن الإسلام يأمر بضرب المرأة بالمطلق وأن هذة إهانة للمرأة .
وفيما يلي عرضٌ لمعنى الآية الكريمة من خلال ما عرضناه بالآيات السابقة ، حيث المعاني الكثيرة للفظة ( الضرب ) وفهم السياق القرآني الذي أتت فيه :
تم التصريح بالضرب في ( واضربوهنّ ) وهناك ضارب ومضروب ، إلا أن الضرب ليس بالضرب الشائع والمتداول بالوهلة الأولى وهو الضرب المبرّح أو المؤذي ودليل صحة ذلك تكملة الآية حيث عقب ( واضربوهن ) أتت ( فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً إن الله كان عليّاً كبيرا ”
فبالله عليكم إن كان الضرب ضرباً مؤذياً وضرباً مُبرّحاً ، فهل سيكون بعده طاعة للضارب من المضروب المتأذي ؟ تكون الطاعة لو أن الضرب ليس موجعاً ومؤذياً حتى لا يوغر صدر الزوجة وتزداد نشوزاً وإعراضاً ، بل يعني البعد عنهنّ والإعراض عنهنّ وعدم التعامل معهنّ وهي من جذر ضرب يضرب إضراباً ، كما نسمع أن عمَّال شركة ما أضربوا عن العمل ، ولكن الآية ذكرت ثلاث مراحل : الوعظ ، والهجر ، والضرب ، فإذا جعلنا الضرب بمعنى المفارقة ، فما الفرق بينه وبين الهجر إذاً ؟ قال تعالى لنبيه أيوب _ عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام _ : ” وخذ بيدك ضغثاً فأضرب به ولا تحنث ” سورة ص ، آية ٤٤ ، فمن حقوق المرأة الصالحة حسن العشرة وتجنب ما يسيء إليها ومنه الضرب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة والقدوة الحسنة _ لم يضرب إمرأة قط ، فعن عائشة رضي الله عنها ” ما ضرب رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ شيئاً بيده ، لا إمرأة ، ولا خادماً ، إلا أن يجاهد في سبيل الله ” وفِي حجة الوداع حمد الله ، وأثنى عليه وذكر ووعظ ، ثم قال ” ( استوصوا بالنساء خيراً ، فإنهنّ عندكم عوان ليس تملكون منهنَّ شيئاً غير ذلك ، إلا أن يأتين بفاحشة مبينّة ، فإن فعلنّ فاهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ ضرباً غير مُبرّح” فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً” ) . فكيف يُصدَّق عاقل أن الإسلام يحث على ضرب النساء مع وصية رسول الله _ عليه الصلاة والسلام _ الرجال بالنساء ؟
ومن الأمثلة على الضرب الغير مُبرّح والذي يعقبه طاعة : لله در القائلة : ( ياحضرة العمدة إبنك حميدة حدفني بالسفندييه ، إزاي كده ؟ أهي وقعت على صدري وضحكوا عليّ زُملاته الأفندييه ! يرضيك ياعمدة ؟ لا لا لأ ، علشان أنت عمدة ؟ لا لا لأ . )
يعني بتشتكي لأبيها العمدة من ضرب حميدة لها بالسفندي وهي مزقططة من الفرح بالضرب ، هكذا يكون الضرب الذي يعقبه طاعة ، بل مودة ورحمة .
مغترب عربي يقيم بألمانيا منذ أكثر من عشرين سنة يقول : وتلك تُعدُ _ أي ضرب النساء _ من المماسك التي تؤخذ على إسلامنا بالغرب ، إلا أنني أقول له من أظهر منهم ذلك ، فقل له : بأن هناك بأسبانيا عيد ومهرجان سنوي بالرشق بالطماطم أو حرب الطماطم ، وذلك منذ العام ١٩٥٠ م ، يمارسها الشعب الإسباني في يوم الأربعاء الأخير من شهر اغسطس من كل عام ، مستخدمين حوالي مئة طن من الطماطم في هذا التراشق في هذا المهرجان من الإسبان والسياح يتراشقون بالطماطم بعضهم بعضا في حرب ضروس بينهم حتى تتحول الشوارع إلى بحر من عصير الطماطم يسبح فيه الأسبان ويسمى مهرجان ” طوماتينا ” وتهدر فيه كميات رهيبة من الطماطم ، في حين يموت من الجوع أناس كثيرة حول العالم .
كذلك هناك مهرجان الطين في كوريا الجنوبية ، حيث يجتمع المحتفلون في مكان مليء بالطين ويضربون به بعضهم بعضا .
وهناك مهرجان وإحتفال ضرب الجيران في دولة بوليفيا ، وهو مهرجان ديني قديم يجتمع فيه الجيران ويصفعون بعضهم بعضا صفعات شديدة دموية ، قد تصل أحياناً إلى القتل ، ويقيمون هذا الإحتفال ظناً منهم أنه يزيدهم من القوة والقدرة على مواجهة صعوبات الحياة .
اللهمّ فقهنا في ديننا الذي هو عصمة أمرنا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحةً لنا من كل شر
وتوفنا وأنت راضٍ عنّا يالله وألحقنا بالصالحين ، آمين .
التعليقات مغلقة.