آية ومعنى : ” فَاعْلَم أنّه لا إله إلَّا الله ُ واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمناتِ ….” سورة محمد ، ١٩
آية ومعنى ؛ قال تعالى ” فَاعْلَم أنّه لا إله إلَّا الله ُ واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمناتِ والله يعلم مُتقلبكم ومثواكم ” سورة محمد ، آية ١٩
بقلم أشرف خاطر
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمّان على سيدنا محمد_ أشرف الأنبياء والمرسلين _ وعلى آله وصحبه أجمعين ومن إتّبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين ، أمّا بعد ،،،
قال تعالى : ” ولقد أرسلنا رُسُلاً من قبلك منهم من قصصنا عليكَ ومنهم من لم نَقصص عليك وماكان لرسولٍ أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمرُ الله قُضي بالحق وخسر هنالك المُبطلون ” سورة غافر ، آيه ٧٨
لقد أخبر الله_ تبارك وتعالى _ بوقوع ذنوبٍ من بعضهم ونسبها إليهم وأخبروا بذلك عن أنفسهم واعترفوا بها واستغفروا منها وتابوا ، وكل ذلك جاء في مواضع كثيرة ، سنذكر بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر ، وهي لا تقبل التأويل ، لأن تلك الآيات إحتوت وأوضحت العلّة من ذكر الأمر بالإستغفار أو طلب التوبة ونوعية الذنوب وهي على جهة الخطأ والنسيان ومنهاالعصيان كمعصية سيدنا آدم ولكنه إستغفر منها وتاب ، وكل ذلك لا يزري بمكانتهم وعلو أقدارهم ، وسنلاحظه جلياً مع ذكر تلك الآيات البينات ، وسنرى أن الآيات التي تخص سيدنا محمد _ صلى الله عليه وسلم _ والتي فيها أمره ربه _ تبارك وتعالى ، بأن يستغفر لذنبه أو يتوب إليه ، وفيها العلّة من الإستغفار إن وُجدت لاتكون أبداً تسمية ذنبٍ إقترفه النبي صلى الله عليه وسلم _ أو أتى به ، وهذا بخلاف المعاتبة ، كمعاتبة الله _ سبحانه وتعالى _ في إبن أم مكتوم، قال تعالى ” عبس وتولى ” سورة عبس ، آية.١.
والآيات البَيِّنَات الآتية تبين ذلك بوضوح ،
١- قال تعالى ” فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ُرَبَّه فَغَوَى ” سورة طه ، آية ١٢١
٢- قال تعالى” ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فَنَسِي ولَم نجد له عزماً ” سورة طه ، آية ١١٥
٣- قال تعالى ” فتلقى آدم من ربه كلماتٍ فتاب عليه إنّه هو التوّابُ الرحيم ” سورة البقرة ، آية ٣٧
٤- قوله تعالى في سيدنا دَاوُدَ _ عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام _ ” فاستغفر ربَّه وخرَّ راكعاً وأناب ”
ومثل هذة الآية ، قال تعالى ” إنَّا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك اللهُ ماتقدم من ذنبك وماتأخر ” سورة الفتح ، فهل كان فتح مكة ، ذنبٌ لكي يغفر الله لرسوله الكريم _ صلى الله عليه وسلم _ ويكون علّة الغفران ؟ بالطبع لا ، لأن في سياق الآية قرينة على أن المراد من الغفران شيءٌ آخر ، لأن قوله تعالى ” ليغفر لك الله …..” مترتب على قوله تعالى ” إنَّا فتحنا لك فتحاً مبيناً ” سورة الفتح ، ولو كان المراد من المغفرة العفو عن المعاصي التي ارتكبها النبي _ صلى الله عليه وسلم _ والعياذ بالله _ وهو المنّزه من ذلك ، فلا ربط بذلك بالفتح ، ولا يترتب عليه ، وليس من آثاره كما لا يخفى ، فالآية تشير إلى أن المشركين كانوا ينسبون إلى النبي _ صلى الله عليه وسلم _ النقائص والعيوب ، والذنوب والمعاصي ، كالسحر والكهانة ، والكذب وقول الزُّور ، والإفتراء على الله ، وكان لا يملك القدرة على منعهم ولا السلطة ، ولكن بعد فتح مكة المكرّمة وتسلط النبي _ صلى الله عليه وسلم _ عليهم بسلطة كاملة تَرَكُوا تنقيصهم وذكر معايبة _ من وجهة نظرهم _ وتركوا نسبة الذنوب والمعاصي إليه خوفاً منه ، فكان نتيجة الفتح أن الله منعهم من نسبة الذنوب إلى رسول الله ، فكأنّه غفر تلك الذنوب التي كانوا ينسبونها ، أو أرادوا أن ينسبوها إليه مستقبلاً ، لأنهم كانوا يعبدون ٣٦٠ صنماً فكبر عليهم وعظّم أن أتتهم كلمة التوحيد .
٥- بالنسبة إلى خليل الرحمن ، أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم _ عليه وعلى نبينا محمد ، أفضل الصلاة والسلام _ قال تعالى ” قال بل فعله كبيرهم هذا فأسألوهم إن كانوا ينطقون ” سورة الأنبياء ، آية ٦٣
٦- بالنسبة لسيدنا يونس (ذَا النُّون ) _ عليه وعلى نبينا محمد ، أفضل الصلاة والسلام _ قال تعالى ” وَذَا النُّون إذ ذهب مُغاضباً فظنّ أن لّن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سُبحانك إنّي كنتُ من الظالمين ” سورة الأنبياء ، آية ٨٧
قال تعالى ” فلولا أنّه كان من المُسبِّحين للبث في بطنه إلى يوم يُبعثون ” سورة الصافات ١٤٤
٧- بالنسبة لسيدنا موسى _ كليم الله ، عليه وعلى نبينا محمد ، أفضل الصلاة والسلام _ قال تعالى ” إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفساً فنجيناك من الغم وفتنّاك فتوناً فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدرٍ ياموسى ” سورة طه ، آية ٤٠
والآيات التي قبلها يطلب نبيّ الله موسى _ عليه السلام _ ويسأله سبعة طلبات وكلها أوجيبت ، ولننظر السبب في هذة الطلبات السبعة ، قال تعالى ” اذهب إلى فرعون إنّه طغى (٢٤) قال رب اشرح لي صدري (٢٥) ويسرلي أمري (٢٦) واحْلُل عقدةً من لساني(٢٧) يفقهوا قولي ( ٢٨) واجعل لي وزيراً من أهلي (٢٩) هارون أخي (٣٠) اشدد به أزري (٣١) وأشركه في أمري (٣٢) كي نسبحك كثيراً(٣٣) ونذكرك كثيراً(٣٣) إِنَّكَ كنت بِنَا بصيراً(٣٤) قال قد أوتيت سؤلك ياموسى (٣٥) سورة طه
سبب طلبات سيدنا موسى _ عليه السلام _ ليس لمواجهة فرعون الطاغية ، بل كي يسبح الله _ تبارك وتعالى _ كثيراً ، هو وهارون ، ومن هنا نأتي على العلّة في الأمر بأن يستغفر النبي لذنبه صلى الله عليه وسلم ، فلا نجدها ذكر ذنبٍ أذنبه النبي صلى الله عليه وسلم _ حاشاه بأبي هو وأمي _ ولقد مال قلبي وعقلي إلى تفسير القرطبي _ رحمه الله _ إذ يقول : ( واستغفر لذنبك يحتمل وجهين : أحدهما : يعني استغفر الله أن يقع منك ذنب. والثاني : استغفر الله ليعصمك من الذنوب . ولما ارتبط ذلك بحال الكافرين والمؤمنين أمره بالثبات على الإيمان ، أي اثبت على ماأنت عليه من التوحيد والإخلاص والحذر عما تحتاج معه إلى إستغفار . وقيل : الخطاب له والمراد به الأمة ، وعلى هذا القول توجب الآية إستفغار الإنسان لجميع المسلمين . ) إنتهى كلام القرطبي _ يرحمه الله _ .
ودليل صحة الميل إلى كلامه _ يرحمه الله _ ، أن قوله تعالى ” واستغفر لذنبك ” تكررت في آية أخرى بنفس النسق ، قال تعالى ” فاصبر إن وعد الله حق ٌواستغفر لذنبك وسبح بحمد رَبِّك بالعشي والإبكار ” سورة غافر ، آية ٥٥
وكذلك في قوله تعالى : ” واصبر لحكم رَبِّك فَإنَّك بأعيننا وسبّح بحمد ربّك حين تقوم ” سورة الطور ، آية ٤٨
وكذلك في قوله تعالى ” واذكر ربَّك في نفسك تضرعاً وخِيفةً ودون الجهر من القول بالغُدُوِّ والآصال ولا تكن من الغافلين” سورة الأعراف ، آية ٢٠٥ وهنا ذُكرت العلّة من الأمر بذكر الله ، وهي : لكي لايكون _ صلى الله عليه وسلم _ من الغافلين . وأيضاً فِي سورة يوسف _ عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام_ إحتوت أيضاً على جملة ( واستغفري لذنبك ) ولكن أضيف إليها العلّة والسبب في هذا الأمر بالإستغفار لذنبها وهو : ( إِنَّك كنتِ من الخاطئين ) في قوله تعالى : ( يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنتِ من الخاطئين ) سورة يوسف ، آية ٢٩ .
قال تعالى : ” وما أرسلنا من رسولٍ إلا ليُطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توّاباً رحيماً ” النساء ٦٤
قال تعالى ” أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غَفُورٌ رحيم ” المائدة ٧٤
نحن مأمورون جميعاً بالتوبّة ، قال تعالى : وتوبوا إلى الله جميعاً أيّه المؤمنون لعلكم تُفلحون ” النور ، آية ٣٠/٣١
ومن رحمة الله على المؤمنين ، قوله تعالى : ” الذين يحملون العرش ومن حوله يُسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا رَبَّنَا وسعت كل شيء رحمةً وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ” سورة غافر ، آية ٧
قال تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحاً عسى ربكم أن يكّفر عنكم سيئاتكم ويُدخلكم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار يوم لا يُخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إِنَّك على كل شَيْءٍ قدير ” سورة التحريم ، آية ٨
من منّا لا يريد أن يُفرح ربَّه الله _ تبارك وتعالى _ ؟؟ وهل العبد الضعيف قادر أن يُفرح رَبَِّه ؟؟ بل يكون الله تبارك وتعالى أفرّح بعبده هذا ، ولكن متى ؟
فعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لله أفرحُ بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره ، وقد أضله في أرضٍ فلاة فأنفلتت منه وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها ، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ، وقد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ، ثم قال من شدة الفرح : اللهمّ أنت عبدي وأنا رَبُّك ، أخطأ من شدة الفرح ، _ سبحان الله خاتمة مفرحة عن خطأ كتلك الأخطاء التى تناولها المقال عن أنبياء الله والمِرسلين ما عدا نبينا محمد _ صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين _ آمين .
اللهمّ فقهنا في ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، واجعل الحياة التى فيها معاشنا زيادةً لنا في كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر ، وتوفنا وأنت راضٍ عنّا وألحقنا بالصالحين ، وارفع عنّا البلاء والوباء ، بفضلك وكرمك ياأكرم الأكرمين ، وصل اللهمّ وسلم وبارك على سيدنا مُحَمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين ، آمين .
التعليقات مغلقة.