آية ومعنى : ” لِّيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أيّامٍ مَّعْلُومَاتٍ …” الحج ، آية ٢٨
آية ومعنى : ” لِّيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أيّامٍ مَّعْلُومَاتٍ …” الحج ، آية ٢٨
بقلم أشرف خاطر .
قال الله تعالى : “ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيامٍ معلوماتٍ على ما رزقهم من بهيمة الأَنْعَام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ” سورة الحج ، آية ٢٨
قوله تعالى : ” ليشهدوا ” ليحضروا ، وقوله تعالى : ” منافع لهم ” من أمر الدنيا والآخرة ،وقوله تعالى ؛ ” ويذكروا اسم الله في أيامٍ معلوماتٍ على مارزقهم من بهيمة الأَنْعَام ” يقول ابن عباس _ رضي الله عنه _ في قوله تعالى ( أيامٍ معلوماتٍ ) هي : أيام العشر ، ويُروى مثله عن أبي موسى الأشعري ، ومجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، والضحّاك ، وعطاء الخرساني ، وإبراهيم النخعي ، وهو مذهب الشافعي ، والمشهور عن أحمد بن حَنْبَل ، وعن أيام العشر من ذي الحجة ، قال صلى الله عليه وسلم : ( ماالعمل أفضل منها في هذة ، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل ، يخرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء ) وعن ابن عمر _ رضي الله عنهما _ قال : قال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم : ( ما من أيامٍ أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن ، من هذة الأيام العشر ، فأكثروا فيهم من التهليل والتكبير والتحميد ) ، وقال البخاري : وكان ابن عمر، وأبو هُريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر ، فيكّبران ويكّبر الناس بتكبيرهما . وقد روى أحمد عن جابر مرفوعاً : إن هذة هي الأيام العشر الذي أقسم الله بها في قوله : ( والفجر وليالٍ عشر ) الفجر آية ١-٢
وقال بعض السلف ؛ إنه المراد بقوله : ( وأتممناها بعشر ) سورة الأعراف ، آية ١٤٢
وفِي سُنن أبي دَاوُدَ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم هذة الأيام إلى التاسع من ذي الحجةً . وهذة العشر مشتملة على يوم عرفة الذي ثبت في صحيح مسلم عن أبي قتادة قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة ، فقال : ” أحتسب على الله أن يُكّفر السنة الماضية والآتية ” . ويشتمل على يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر ، وقد ورد في حديث أنه أفضل الأيام عند الله .
قولٌ ثان في الأيام المعلومات : عن ابن عباس _ رضي الله عنه _ الأيام المعلومات : يوم النحر وثلاثة أيام بعده . وهناك قولٌ ثالث عن ابن عمر ، قال : الأيام المعلومات والمعدودات هُن جميعهن أربعة أيام ، فالأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده ، والأيام المعدودات ثلاثة أيام . أما القول الرابع : إنها يوم عرفة ، ويوم النحر ، ويوم آخر بعده ، وهو مذهب أبي حنيفة .
الله جلّ وعلا بيّن المعدودات وهي أيام التشريق ( واذكروا الله في أيامٍ معدودات فمن تعّجل في يومين فلا إثم عليه ) سورة البقرة ، آية ٢٠٣
هذة ثلاثة : الحادي عشر ، والثاني عشر ، والثالث عشر ، هذة المعدودات ، والمعلومات أيام العشر مع أيام التشريق ، حيث يكّبر المسلمون فيها من أول العشر من ذي الحجة إلى غروب الشمس من يوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة وقيل بأنها أيام العشر فقط .
وقوله تعالى : ” على ما رزقهم من بهيمة الأَنْعَام ” يعني الإبل والبقر والغنم ، كما فصّلها تعالى في سورة الأَنْعَام وأنها (ثمانية أزواج ) سورة الأَنْعَام ، آية ١٤٣
وقوله تعالى : ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) استدل بهذة الآية من ذهب إلى وجوب الأكل من الأضاحي ، والذي عليه الأكثرون أنه من باب الرخصة أو الإستحباب ، كما ثبت أن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ لما نحر هديه أمر من كل بدنة ببضعة فتطبخ ، فأكل من لحمها ، وحسا من مرقها .
وقال سفيان الثوري : ( فكلوا منها ) قال : كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم فرخص للمسلمين ، فمن شاء أكل ، ومن شاء لم يأكل . وفِي تفسير ابن جرير ، استدل من القول بأن الأضاحي يتصدق منها بالنصف بقوله في هذة الآية : ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) ، فجزّأها نصفين : نصف للمُضحي ، ونصف للفقراء . والقول الآخر : أنها تُجّزأ ثلاثة أجزاء : ثلثٌ له وثلثٌ يهديه ، وثلثٌ يتصدق به ، لقوله في الآية الأخرى : ( فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتّر ) سورة الحج ، آية ٣٦ .
قال صلى الله عليه وسلم : ( إنّ لربكم عزّ ًجلّ في أيام دهركم نفحات ، فتعرّضوا لها ، لعل أحدَكم أن تُصِيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً ) . من هذة النفحات والعطايا الربانية ، بأن ينزل في قلب المؤمن السكينة : قال تعالى : ” هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم …” سورة الفتح ، آية ٤
أن يُنزل الله في قلب المؤمن الطمأنينة ؛ ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) سورة الرعد ، آية ٢٨
أن يجعل الله تبارك وتعالى ، في قلب المؤمن نوراً يمشي به في الناس : ( أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس ) سورة الأَنْعَام ، آية ١٢٢
أن يجعل الله تبارك وتعالى ، للمؤمن ميزاناً في قلبه يكشف به الطيب من الخبيث ( الفراسة والكياسة ) فالمؤمن كَيّسٌ فَطِن ، _ وليس كِيس قُطن _ ، وأيضاً يكشف به الحسن من السيء والحق من الباطل ، قال تعالى : ( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً) سورة الأنفال ، آية ٢٩
أو أن يأخذه الله سبحانه وتعالى ويرفع عنه حجاب الران ويجعله ينظر بعين قلبه في ملكوت الرحمن .
قال صلى الله عليه وسلم عن بعض ما رأى ليلة أُسْرِيّ به : ( فلما نزلتُ إلى السماء الدنيا ، نظرت أسفل مني ، فإذا أنا بوهج ودخان وأصوات ، فقلت : ما هذا ياجبريل ؟ قال : هذة الشياطين يحومون على أعين بني آدم أن لا يتفكّروا في ملكوت السموات والأرض ، ولولا ذلك ، لرأوا العجائب ) .
قال تعالى : ( وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين ) سورة الأَنْعَام ، آية ٧٥
أو أن يكرمه الله سبحانه وتعالى فيجعله من أهل مقام الإحسان فيبعد الله عبادة فيها لذة وفيها خشية ، يعبد الله كأنه يراه ، وهذة عبادات الخاشعين الخاشين لله سبحانه وتعالى ، أو يُكرمه الله فيفتح له في قلبه عين يتلقى منها الإلهام المباشر من الله ، فتجده مُسدداً في القول ، قال تعالى : ( وعلّمناه من لدُنّا علماً ) الكهف ، آية ٦٥
أو أن يكون القلب سليماً ، قال تعالى : (إلا من أتى الله بقلبٍ سليم ) الشعراء ، آية ٨٩ ، وقال الله ، في شأن الخليل إبراهيم _ عليه السلام _ ( إذ جاء ربَّهُ بقلبٍ سليم ) سورة الصافات ، آية ٨٤
اللهمّ فقهنا في ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير ، وإجعل الموت راحةً لنا من شر ، وتوفنا وأنت راضٍ عنّا واغفر لنا وارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء يا أرحم الراحمين ، وصلِّ اللهمّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، آمين .
التعليقات مغلقة.