آية ومعنى : ” … وأَخَذْن منكم ميثاقاً غليظا ً” النساء ٢١
آية ومعنى : ” … وأَخَذْن منكم ميثاقاً غليظا ً” النساء ٢١
بقلمي : أشرف خاطر .
الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واتَّبَع هداه ، أمّا بعد ؛
قال الله تعالى : ” وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأَخَذْن منكم مِّيثاقاً غليظاً ” سورة النساء آية ٢١
” أتأخذونه بهتاناً وإثماً مُبيناً ” ؟ الإستفهام هنا للتوبيخ ، الله يوبخ هؤلاء الذين يحاولون أن يأخذوا من مهور أزواجهن_ بعد أن إستحلّوا فروجهن بكلمة الله _ شيئاوينكر عليهم إن أرادوا إستبدالهن ، وقوله ( بهتاناً ) أي كذباً لأنكم لا تستحقوه ، وقوله( إثماً مُبيناً) أي : عقوبة أو معصية بينّة واضحة ، وقوله تعالى ” وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ) كيف : أداة إستفهام للتعجب والإنكار ، وقوله ” وقد أفضى بعضكم ” الجملة هنا في موضع نصب على الحال ، يعني والحال أنه قد أفضى بعضكم إلى بعض ، أي الجماع .
” وأَخَذْن منكم ميثاقاً غليظاً ” أخذن : النُّون هنا نُون النسوة ، وليست ضمير المتكلم ، لو كان ضمير المتكلم لكان ( وأخذنا ) ، الميثاق : العهد ، والغليظ : المُشدّد أو الشديد ، أي أخذنا منكم ميثاقاً غليظاً وذلك بعقد النكاح الذي لا يوجد له نظير من العقود ، وبما تعنيه الكلمة من بلاغة وروعة من العهد والقوة والتأكيد السديد لأهمية الحفاظ عليه لأنه يترتب عليه أشياء كثيرة أهمها إمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان ، ففي صحيح مسلم عن جابر في خطبة الوداع ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيها : (واستوصوا بالنساء خيراً ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ) .
وهذا الميثاق الغليظ يقتضي من الزوجين عدة أمور منها :
أولاً : حسن العشرة والمودة بين الزوجين
مصداقاً لقوله تعالى ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون ” سورة الروم ، آية ٢١ ، وقوله تعالى ” وعاشروهنّ بالمعروف فإن كرهتموهنّ فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا ً” سورة النساء ، آية ١٩ .
وعن ابن عباس ، عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ قال ؛ خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ( أخرجه بن ماجة ) .
وعن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يقول : ما أستفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من الزوجة الصالحة إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سرّته وإن أقسم عليها أبّرته وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله .
ولنستمع إلى نصيحة أم حصيفة تنصح أبنتها ليلة زفافها وهي تودعها :
أي بُنيّة ، إِنَّكِ قد فارقتِ بيتك الذي منه خرجتِ ، ووكرك الذي فيه نشأتي ، إلى وكرٍ لم تألفيه وقرينٍ لم تعرفيه ، فكوني له أمة يكن لكِ عبداً وحافظي له عشر خصال يكن ذلك ذخراً : أمّا الأولى والثانية فالصحبة بالقناعة والمعاشرة بحسن السمع والطاعة ، أمّا الثالثة والرابعة فالتعهد لموقع عينيه والتفقد لموضع أنفه ، فلا يقع عيناه منكِ على قبيح ، ولا يشمّن منك إلا أطيب ريح والكحل أحسن الحسن الموصوف والماء والصابون أطيب الطيب المعروف ، وأمّا الخامسة والسادسة فالتفقد لوقت طعامه والهدوء عند منامه ، فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مكربة ، وأمّا السابعة والثامنة : فالعناية ببيته وماله والرعاية لنفسه وعياله ، أمّا التاسعة والعاشرة : فلا تعصين له أمراً ولا تفشين له سراً ، فإنك إن عصيت أمره أوغرتِ صدره وإن أفشيتِ سرَّه لم تأمني غدره .
ثم بعد ذلك إياكي والفرح حين إكتئابه والإكتئاب حين فرحه فإن الأولى من التقصير والثانية من التكدير ، وأشد ما تكونين له إعظاماً ، أشدمايكون لكِ إكراماً ، ولن تصلي إلى ذلك حتى تؤثّري رضاه على رضاكي وهواه على هواكي فيما أحببتِ أو كرهتِ ، والله يصنع لكِ الخير وأستودعك الله .
فالميثاق الغليظ يقتضي حسن المعاشرة بين الزوجين ، وأن تقوم حياتهما على الصدق والأمانة لا على الكذب والخيانة ، وعلى الحب والتفاهم لا على الأنانية والخداع .
قال الشاعر :
رأيتّ رجالاً يضربون نساءهم ؛؛؛؛؛ فشُلّت يميني يوم تُضربُ زينبُ
أأضربها من غير ذنبٍ أتت به ؛؛؛؛؛ فما العدل مني ضرب من ليس يذنبُ
فزينبُ شمسٌ والنساءُ كواكبُ ؛؛؛؛؛ إذا طلعت لم يبدِ منهنَّ كوكبُ .
ثانياً : المحافظة على أسرار الحياة الزوجية :
في وصف بديع ورائع للعلاقة بين الزوجين ، يقول الله تعالى ” هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنَّ ٠٠٠ ” سورة النساء ١٨٨ فكلٍ منهما يستر صاحبه حتى يصير كل واحد منهما كالثوب لصاحبه ، وكما جاء في الخبر : من تزوّج فقد أحرز ثلثي دينه ، وجعلها الله لباساً للرجل ، من حيث أنه يخصها لنفسه، كما يخص لباسه بنفسه ، ومجازاً يحتمل أن يكون المراد ستره بها عن جميع المفاسد التى تقع في البيت ، حيث وجودها بالبيت سترٌ وغطاء عليه كما يُقال .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يُفضي إلى إمرأتِه وتُفضي إليه ثم ينشرُ سرّها ) أخرجه أحمد ومسلم .
قال الشاعر :
والسرّ فأكتمه ولا تنطق به ؛؛؛؛؛ فهو الأسيرُ لديك إذ لا ينشبُ
واحرص على حفظ القلوبِ من الأذى ؛؛؛؛؛ فرجوعها بعد التنافرِ يصعبُ
إنّ القلوب إذا تنافر ودُّها ؛؛؛؛؛ مثل الزجاجة كسرها لا يُشعبُ .
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : جاء رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ بيت فاطمة فلم يجد عليّا في البيت ، فقال : ” أين ابن عمك ؟ ” قالت : كان بيني وبينه شيء ، فغاضبني ، فخرج ، فلم يَقٍلْ عندي ، فقال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ لإنسان : ” أنظر أين هو ؟ ” فجاء فقال : يارسول الله هو في المسجد راقد ، فجاءه رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ وهو مضطجع ، قد سقط رداؤه عن شقه ، وأصابه تراب ، فجعل رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ يمسحه عنه ، ويقول : قم أبا تراب ، قم أبا تراب )
فالحمدلله الذي خلق لنا من أنفسنا أزواجاً ، وأدخلنا في دينه أفواجاً ، وارتضى لنا الإسلام شريعةً ومنهاجا ، وصلّ اللهمّ وسلم على البشير النذير الذي أرسله ربه للعالمين رحمةً ونوراً وسراجاً وهّاجاً ، وعلى آله وأصحابه الغُر الميامين مصابيح الهدى ، والتابعين لملته سلوكاً وإنتهاجاً ، آمين .
التعليقات مغلقة.