آية ومعنى ” واصْبِر لِحُكم رَبِّكَ فَإنَّك بِأعيُننا وسبِّح بِحَمْد رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ” الطور ، آية ٤٨
آية ومعنى ” واصْبِر لِحُكم رَبِّكَ فَإنَّك بِأعيُننا وسبِّح بِحَمْد رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ” الطور ، آية ٤٨
بقلمي : أشرف خاطر .
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمّان على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن إتّبع هداه إلى يوم الدين ؛ أما بعد ،
الله _ تبارك وتعالى _ أوجب علينا في كتابه العزيز القرآن الكريم ، أن يُوصي بَعضُنَا بعضاً بالحق والصبر وهو الإستثناء من الخسران في سورة العصر ،
قال تعالى : ” والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ” .
كما أمرنا سبحانه وتعالى بأن نصلي ونسلّم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبدأ بنفسه العليّة فقال تعالى ” إنّ الله وملائكته يُصلّون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما ” سورة الأحزاب ، آية ٥٦
ممن لهم حق التواصي أحد الضعيفين وهو المرأة ، وصحة دليل ضعفها ، قوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهمّ إني أُحَرِّجُ حقّ الضعيفين : اليتيم والمرأة ). أُحرّج : ألحق الحرج والإثم بمن ضيع حقهما .
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنةٌ ، فعن أنسٍ رضي الله عنه أنه قال : مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإمرأة على قبر صبي لها تبكيه في لوعة ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : إتقي الله واصبري ، فقالت : إليك عني _ ابعد عني _ فإنك لم تُصب بمثل مصيبتي ، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا لها إنه رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ فندمت ثم أتت باب النبي فلم تجد عليه بواباً ، فقالت : إنني لم أعرفك ، فقال : إنما الصبر عند الصدمة الأولى .
فالصبر الذي يُثاب عليه الإنسان هو أن يصبر عند الصدمة الأولى أول ماتصيبه المصيبة يصبر ويحتسب ويحسن أن يقول إنَّا لله وَإنَّا إليه راجعون ، اللهمّ آجرني في مصيبتي وأبدلني خيراً منها .
وبعد الصبر على البلاء يأتي الجزاء ، قال تعالى ” إنما يُوَفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب ” سورة الزُمر ، آية ١٠
يقول ابن القيم _ رحمه الله تعالى _ والمصائب التي تحل بالعبد ، وليس له حيلة في دفعها ، كموت من يعز عليه ، وسرقة ماله، ومرضه ونحو ذلك ، فإن للعبد فيها أربع مقامات ، أحدها : مقام العجز : وهو مقام الجزع والشكوى والسخط وهذا مالا يفعله إلا أقل الناس عقلاً وديناً ومروءة ، المقام الثاني : مقام الصبر : إمَّا لله وإمَّا للمروءة الإنسانية ، المقام الثالث : مقام الرضا وهو أعلى من مقام الصبر ، المقام الرابع : مقام الشكر ، وهو أعلى من مقام الرضا ، فإنه يرى البليّة نعمة ، فيشكر المُبتلي عليها !
قال صلى الله عليه وسلم : “مايزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة “.
وقال عليه الصلاة والسلام : ” إنّ العبدَ إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله إبتلاه الله في جسده ، أو في ماله ، أو في ولده ، ثم صبّره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى ” صححه الألبانيي، صحيح أبي دَاوُد.
الإيمانُ قولٌ وعملٌ وإعتقاد ، والصبر من الإيمان ، وقد دل على ذلك القرآن الكريم فكل ماأمر الله تعالى به بعد ندائه ب ( ياأيها الذين آمنوا ) دليلٌ على دخوله في مسمى الإيمان ، ودلّت على ذلك السنة النبوية المُطّهرة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان : الصبر والسماحة ) وقال بن مسعود رضي الله عنه ( الصبر نصف الإيمان ) . وقال عليه الصلاة والسلام : ( الصبر ضياء ) رواه مسلم أي لايزال صاحبه مستضيئاً به ومهتديّاً مستمراً على الصواب .
وَمِمَّا قال سيدنا عليّ بن أبي طالب _ رضي الله عنه في الصبر : ( الصبر مطيّة لا تكبو ) ، وقال سيدنا عمر رضي الله عنه ؛( وجدنا خير عيشنا بالصبر ) . ومن ثمرات الصبر ، التمكين : قال تعالى ( وأورثنا القوم الذين كانوا يُستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمت ربك بالحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ) سورة الأعراف ،١٣٧ وقال تعالى ” وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ” سورة السجدة ٢٤ ومن ثمرات الصبر ، نيل الرحمة : قال تعالى : ” وبشِّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنَّا لله وَإنَّا إليه راجعون أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ” سورة البقرة ، الآيات ١٥٥-١٥٧ ومن ثمرات الصبر ، تكفير السيئات : قال تعالى ” من يعمل سوءاً يُجز به ” سورة النساء ١٢٣ وقد سأل أبو بكر رضي الله عنه ، النبي صلى الله عليه وسلم _ : كل سوءٍ عملنا جزينا به ؟ وأينا لم يعمل سوء ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (ياأبابكر ألستَ تنصب ؟ ألست تحزن ؟ ألست تصيب الآواء ؟ فذلك ماتجزون به )رواه أحمد
وفِي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هُريرة رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( مايُصيب المسلم من نصبٍ ولا وصبٍ ولا همٍ ولاحُزنٍ ولا أَذًى ولا غمٍ ، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه ) .
ومن ثمرات الصبر : الأجر الجزيل ، قال تعالى ” إنما يُوَفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب ” سورة الزمر ، آية ١٠
وقد جمع الله بين المغفرة والأجر الجزيل في قوله تعالى ” إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرةٌ وأجرٌ كريم ” سورة هود ، آية ١١
ومن ثمرات الصبر ، معيّة الله : قال تعالى ” إنّ الله مع الصابرين ” سورة البقرة ، آية ١٥٣
وقال تعالى ” والله مع الصابرين ” البقرة ،٢٤٩ ، الأنفال ٦٦
ومن ثمرات الصبر ، محبة الله : قال تعالى” والله يحبُ الصابرين ” آلِ عمران ١٤٦
ومن ثمرات الصبر ، الجنّة : قال تعالى ” للذين اتقوا عند ربهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مُطهرّة ورضوان من الله والله بصيرٌ بالعباد (١٥) الذين يقولون رَبَّنَا إننا آمَنَّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار (١٦) الصابرين والصادقين والقانتين والمُنفقين والمستغفرين بالأسحار (١٧) سورة آلِ عمران .
وفِي الصحيحين أن إبن عباس _ رضي الله عنهما _ قال لعطاء رحمه الله : ألا أريك إمرأةً من أهل الجنّة ؟ قال بلى ، قال : هذة المرأة ، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أُصرع ، وإني أتكّشف ، فادعو الله لي ، فقال _ عليه الصلاة والسلام _ ” إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنّة ، وإن شئت دعوت الله أن يُعافيكِ ، فقالت : أصبر وأدعو الله لي أن لا أتكّشف ، فدعا لها رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ .
اللهم إجعلنا عبيد إحسانٍ لا عبيد إمتحان ، اللهم فقهنا في ديننا الذي هو عصمة أمرنا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر ، وتوفنا وأنت راضٍ عنّا بفضلك وكرمك ياأكرم الأكرمين ، وصلِّ اللهمّ وسلّم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، آمين .
التعليقات مغلقة.