آية ومعنى :” وما مَنَعَ النَّاسَ أن يُؤمنوا إِذْ جَاءَهُم الْهُدَى ويستغفروا ربَّهُم إلا أن تأتيهُم سُنَةُ الأوّلينَ أو يأتيهم العذابُ قُبُلا “الكهف
آية ومعنى :” وما مَنَعَ النَّاسَ أن يُؤمنوا إِذْ جَاءَهُم الْهُدَى ويستغفروا ربَّهُم إلا أن تأتيهُم سُنَةُ الأوّلينَ أو يأتيهم العذابُ قُبُلا “الكهف
بقلم : أشرف خاطر
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه ،
باديء ذي بدء ، البشرى لأمة محمد رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ بأنها أمةٌ مرحومة .
عن أبي موسى _ رضي الله عنه _ عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ قال : إنّ الله عزّ وجل ، إذا أراد رحمةَ أمة من عباده ، قبض نبيها قبلها ، فجعله فرطاً ( أي المتقدم إلى الماء ليُهييء السقى ) ، وسلفاً بين يديها ، وإذا أراد هلكة أمةٍ عذّبها ونبيها حيّ ، فأهلكها وهو ينظر ، فأقرّ عينه بهلاكها حين كذّبوه وعصوا أمره ) رواه مسلم ، وهذة سنةُ الله مع أهل الكفر والمعاصي ، أنه إذا جاءت أسباب العذاب وأنعقدت فلا ينفع الإيمان ولا تنفع التوبة بعد ذلك ، قال تعالى ( فلما رأوْا بأسنا قالوا آمَنَّا بالله وحده وكفرنا بما كنّا به مشركين (٨٤) فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوْا بأسنا سنّةَ الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) ٨٥ غافر .
ولمحبة الله لنبيه الرؤوف الرحيم الذي بعثه رحمةً للعالمين ، فلم يدعو على قريش قومه ، ورفض صلى الله عليه وسلم أن يُطبق عليهم الأخشبين ، بعكس نبي الله نوح عليه السلام الذي دعا على قومه بإبادتهم قال تعالى ( ربِ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً إِنَّكَ إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يَلِدُوا إلا فاجراً كَفّارا ) نوح ٢٧/٢٦ ، بالمقابل دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لقومه قريش _ اللي احنا منهم _ فقال الرؤوف الرحيم : ( اللهمّ اهْدِ قومي فإنهم لا يعلمون ) ، أخرج الإمام البخاري في صحيحه أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت للنبي _ صلى الله عليه وسلم _ : هل أتى عليك يومٌ كان أشدُ من يوم أُحد ؟ قال : ( لقد لقيت من قومك مالقيت ، وكان أشدُ ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضتُ نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق والا وأنا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جِبْرِيل ، فناداني فقال : إنّ الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردّوا عليك ، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ، ثم قال : يامحمد ، إن شئت أطبق عليهم الأخشبين ، فقال النبي _ صلى الله عليه عليه وسلم_ بل أرجو الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) وفعلاً استجاب الله دعوة حبيبه فيمن أحب ، وخرج من صلب أبي جهل _ عدو الله _ الصحابي الجليل عكرمة ، وخرج من صلب أميّة بن خلف الكافر ، الصحابي الجليل صفوان ، وخرج من صلب الوليد بن للمغيرة _ الكافر _ سيف الله المسلول خالد بن الوليد .
ويشفق صلى الله عليه وسلم على أمته ، حينما دعا إبراهيم وعيسى عليهما السلام لقومهما بالمغفرة ، فبكى وهو يقول : ( يارب …أمتي أمتي)فينزل الوحي الكريم ، مبشراً ببشرى الرحيم : ( إنَّا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك ) .
فكنّا دعوته صلى الله عليه وسلم كما كان عليه الصلاة والسلام دعوة سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، قال تعالى : ( رَبَّنَا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتِك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إِنَّكَ أنت العزيز الحكيم ) البقرة ١٢٩
أحبّ الله محمداً وأحبّ الله قريشاً لمحبة مُحَمَّدٍ لها صلى الله عليه وسلم .
و آية هذاالحب لقريشٍ حفظها من سنّة الأولين ولَم يهلكها الله عن بكرة أبيها ، فسنّة الأولين أتت سيرةً وعبرةً وليست عذاباً واقعاً كالذي أهلك من قبلهم وأنبياؤهم ينظرون هلكتهم ، ومن قال من المفسرين بأنهم جاءهم العذاب في بدرٍ فيه نظر ، لأن الحرب سجال ، فما قوله في هزيمة المسلمين في أُحد وفِي حُنين ، وهذاالحب جعلني أستخدمه وأنحو منحاً في معنى الآيه الكريمة وإضافة لما سبق من تفسير لها ، فأقول وبالله التوفيق : هذة الآية الكريمة : ( وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنةُ الأولين أو يأتيهم العذاب قُبُلا ) الكهف ٥٥ ، في هذة الآية الكريمة يتعجّب الله سبحانه وتعالى ، تعجُب إستهجان من قوم قريش وهو عتاب من مُحبٍ لهم إذ جاءهم الهدى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بشمائله وصفاته حتى قبل بعثته فلقبوه بالصادق الأمين ، إضافة إلى ما أنزل عليه وهو القرآن العظيم الذي قال فيه الوليد بن للمغيرة : إن له لحلاوة وَإِنَّ عليه لطلاوة وإنّه يعلو ولا يُعلا عليه ، قال تعالى : ( قل لئن إجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لِبَعْضٍ ظهيرا ) الإسراء ٨٨ ، شطح بعضهم فقال على وزن وتيرة سورة الكوثر : ( إنَّا أعطيناك الوحواح فصلي لربك وارتاح إنّ شانئك هو العجل النطًّاح )، وقال آخر : ( الفيل وما أدراك ما الفيل ذو خرطومٍ طويل ، وَيَا ضفدع يا ضفدعين مالكي تنقنقين نصفك في الهواء ونصفك في الطين )!!!
نعم إن الله سبحانه وتعالى يتعجّب غير تعجُب البشر الذي يسوده الإندهاش ، وحذاري من الظن بأن صفة( التعجب ) لله سبحانه ، معناها الدهشة من فعل شيء غير متوقع أو غير معلوم ، أو أن سبب الفعل المتعجب منه يخفى على المتعجب فالله سبحانه علاّم الغيوب ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، وإنما التعجب الإندهاشي من صفات البشر ، قال تعالى : ( يا أخت هارون ماكان أبوكِ امرأ سوءٍ وما كانت أمك بغيّا ) مريم ٢٨
وهناك لله عجب إستحسان من صنيع عبدٍ من عباده الصحابي الذي ضيّف ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عندما قلد صوت الأكل ولَم يأكل وأطفأ السراج وطلب من إمرأته أن تشغل أبناءهم حتى ناموا .
ولقد ثبتت صفة ” العجب ” لله تعالى في الكتاب والسنٌّة :
قال تعالى : ( بل عجِبتَ ويسخرون ) الصافات ١٢ وفِي قراءة مشهورة عند قرّاء الكوفة : ( عجبتُ ) بضم التاء ، والقراءتان بفتح التاء أو ضمها مشهورتان .
عن عقبة بن عامر قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ الله عزّ وجل ليعجبُ من الشاب ليست لديه صَبْوَةٌ ) ، صَبوة : يعني شهوة . رواه احمد ٢٨/٦٠٠
وعن أبي هُريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( عجبَ الله من قومٍ يدخلون الجنّة في السلاسل )رواه البخاري ٢٨٤٨
وأسوق دليلاً من كتاب الله على أنه سبحانه وتعالى لم يأتِ بسُنّة الأولين عذاباً وهلاكاً لقريش بل كان إتيان ذكرٍ لا عقاب بعذاب وهلاك ، أستثنى الله قوم قريش من سنّة الاولين كما أستثنى قوم يونس عليه السلام ، إستثاهم من هذة السنّة ، سنّة الاولين بدليل ان الله سبحانه قَبِلَ توبتهم ولَم يعذبهم بعد أن إنعقدت أسباب العذاب وبدليل قوله تعالى : ( فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانُها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الْخِزْي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ) يونس ٩٨ فخصّ الله سبحانه مدينة الموصل بالعراق مدينة يونس عليه وعلى نبينا محمد افضل صلاة وازكى سلام بهذة الفضيلة العظيمة ورفع عنها العذاب بعد أن إنعقدت أسبابه ، ولا يفوتنا محبة الله سبحانه وتعالى لبلد نبينا وحبيبنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، مكّة المُكرّمة ، فكانت أم القرى ، ولذلك نُسب إليها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، بأنه أّميٌ نسبةً إلى أم القرى ،
فاللهمّ صَل على النبي المصطفى ، والرسول المُجتبى ، والحبيب المُرتضى ، ذي الوجه الأنور ، والجبين الأزهر ، وعلى آله وصحبه خير معشر ، صلاةً وسلاماً طيبين مباركين إلى يوم البعث والمحشر .
اللهمّ لا علم لنا إلا ما علمتنا ، فعلّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأدخلنا في عبادك الصالحين ، آمين يارب العالمين .
التعليقات مغلقة.