آية ومعني …بقلم اشرف خاطر
آية ومعنى ؛ قال تعالى :” يُرسلُ عَليكُما شُواظٌ من نارٍ ونُحاسٌ فلا تَنتَصِرَانِ” الرحمن آية ٣٥
الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، أمّا بعد
مازلنا في رحاب سورة الرحمن ، حيث تُعدُ من أفضل سُوَر القرآن الكريم ، ووردت أحاديث كثيرة في فضلها ولكنها ضعيفة الإسناد ولَم يثبت صحة هذة الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كما ذكر العلامة الألباني _ رحمه الله _ ومن تلك الأحاديث : ( لكل شَيْءٍ عروس وعروس القرآن الكريم سورة الرحمن ) ولكن جاء في السنّة المُطهرّة حديث نبوي شريف صحيح يذكر هذه السورة وفيه ( أن رسول اللهصلى الله عليه وسلمقرأ سورة الرحمن على أصحابه فسكتوا فقال : مالي أسمعُ الجنَّ أحسن جواباً لربها منكم ما أتيت على قول الله ” فبأي آلاء ربكما تُكذبّان ” إلا قالوا : لا بشيء من آلائك ربنّا نُكذبُ فلك الحمد .”
لذا أدعوكم أحبتي في الله ونفسي إلى أن يُقَرِّبَ كلٌ منّا إلى قلبه سورةً من سُوَر القرآن الكريم إن لم يكن القرآن كُله الذي هو ربيع القلوب وجلاء الأحزان والهموم ، نستشعرُ فيها السكينة والاطمئنان والأمن والأمان والصبر والاحتساب على الله سبحانه وتعالى ثواب مايعترينا من تعبٍ ونصبٍ في هذة الحياة الدنيا .
رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ ذكر بعض السور وأثرّت فيه بما يتناسب مع رسالته السامية وخوفه على أمته _ صلوات ربي وسلامه عليه _ من أهوال يوم القيامة ، فقد روى الترمذي في ( سُننه ) ، رقم الحديث ( ٣٢٩٧ ) عن أبي إسحاق عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : قال أبو بكر : يارسول الله قد شِبتَ فقال عليه الصلاة والسلام : ( شيّبتني هود ، والواقعة ، والمُرسلات ، و”عمّ يتساءلون” ، و”وإذا الشمسُ كُوِّرت”.
ورواه أيضاً الحاكم في المستدرك ( ج٢/ص٣٧٤) : ٣٣١٤
وتتميز سورة الرحمن بأنها أُفتتحت باسمٍ من أسماء الله تعالى وهو الرحمن وتميّزت بأسلوبها البديع ، كما أن قوله تعالى : ” فبأي آلاء ربكما تُكذبّان ) تكررت إحدى وثلاثين مرة ، وهذا دل عِظم درجة الامتنان ، كذلك استخدام أسلوب الترغيب والتهديد ، وذكر أدلة القدرة الإلهية في تسيير الأفلاك بل والكون جميعاً من تسخير السفن في البحار ، وتناسقت السورة الكريمة في كلماتها وإيقاع فواصلها فأتت على أكمل وجه .
يقول أحدُهم لي : ( عندما أقرأ قوله تعالى : ” ولمن خاف مقام ربه جنتان ” ٤٦ ، وقوله تعالى : ” فيهنّ قاصرات الطرف لم يطمثهن إنسٌ قبلهم ولا جان ٌّ ” آيه ٥٦ ، وقوله تعالى ” كأنهنّ الياقوتُ والمُرجان ” آية ٥٨ ، وأتذّكرُ نشوز زوجتي وتركها لي ولأولادنا بسن المراهقة ، بعد حصولها على أعلى الشهادات في الطب وسفرها لقارة أخرى للعمل ، وأنا أعمل بقارّة ثالثة ، فعند قراءتها تغشاني السكينة والاطمئنان وكأني لم يمسني الضُرُ قط .) انتهى كلامه .
والآن إلى رحاب الآية الكريمة ، قوله تعالى :” يُرسلُ عليكما شُواظٌ من نارٍ ونُحاسٍ فلا تنتصران ” الرحمن آية ٣٥
ظاهر هذة الآية الكريمة هو العذاب والعقاب ولكن في باطنها الرحمة؛فكيف ذلك؟!
أقول وبالله التوفيق : الآية التي قبلها بآيتين ، قوله تعالى :” يامعشر الجن والإنسِ إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذونَ إلا بسلطانٍ ” آيه ٣٣ ، في هذة الآية يخاطب الحق سبحانه وتعالى معشر الجن والإنس بصيغة الجمع ، ولو أن صيغة الجمع هذة امتدت إلى الآية رقم ٣٥ فيقول سبحانه ( يُرسلُ عليكم شُواظٌ ….) بدلاً من ( يُرسل عليكما شُواظٌ …) لحكم الله علينا جميعاً إنسنا وجننّا بالهلاك دون استثناء فالخطاب بصيغة الجمع ، أمّا إتيان ( عليكما ) في الآية تخصيص وتثنية لفئتين نالوا العلم وصعدوا الفضاء وكفروا بأنعم الله وبآلائه بل وأنكروا وجوده أصلا . فجاءت لفظة ( عليكما ) رحمة بِنَا ، سبحان الله فهي الآن رحمة ( عليكما ) بينما لو أتت في الآية الكريمة ” سنفرغ ُ لكم أيها الثقلان ” بدلاً من ( لكم ) فيقول سبحانه ( سنفرغ لكما أيها الثقلان ) ففيها وعيدٌ وتهديد ، بل أتت ( لكم ) رحمة في اللام ولو كانت الآية تعني التفرغ للحساب ، لقال الله تعالى :” سنفرغ منكم أيها الثقلان ” بدلاً من سنفرغ لكم أيها الثقلان “
سبحان الله العظيم ، ما أجمل وأدّق قرآننا العظيم كلام ربنا ومعجزة نبينا .
أشهدُ أن لا إله إلا الله وأشهدُ أن محمدًا رسول الله . _ صلى الله عليه وسلم _ .
في مقالٍ للصحافيّة والروائية العراقية الأستاذة : إنعام كجه جي بصحيفة الشرق الأوسط العدد ( ١٤٣٦٩) بتاريخ ١/٤/٢٠١٨ سأقتبس من مقالها الآتي : {( صعد يوري غاغارين إلى الفضاء في صاروخ سنة ١٩٦١م وعاد سالماً ليلقى مصرعه في تحطم طائرة سنة ١٩٦٩ م ) ، ( وفِي باريس ، نشرت صحيفة ” لومانيتيه ” لسان الحزب الشيوعي الفرنسي ، مقالاً لجانيت فيرميرش ، زوجة زعيم الحزب ، سَخِرَت فيه من ” عيد الصعود ” لدى المسيحيين ” وقالت : إنّ صعود غاغارين هو العيد الحقيقي . ) ، ( زار عواصم العالم وتعشى مع ملكة بريطانيا في قصرها وأهدته دُمى صغيرة لابنتيه ، وإلتقط صوراً مع النجمة جينا لولو بريجيدا في روما ، ومع عمال مصانع ” رينو ” في باريس ، ومع أبي الهول في الجيزة ، وقف بجوار كاسترو أمام الجماهير في هافانا وسأله الزعيم الكوبي عن عدد المرات التي دار فيها بمركبته حول الأرض ، فأجاب بأنه دار مرة واحدة استغرقت ساعة ونصف الساعة ، ونظر كاسترو إلى ساعته وقال : ” سأبدأ كلامي وماعليك سوى أن تحسب الدورات واستغرق الخطاب ثلاث ساعات وكان قصيرا . ) ، ( شعر بالمرارة لأنهم أبعدوه عن أية رحلة فضائية لاحقة ، بالغ في الشراب وراح يثرثر بآراء خارجة عن الحد ) ، ( مات في الرابعة والثلاثين ودُفن عند جدار الكرملين ) ،( وكانت صحافة زمانه قد نقلت عنه أنه صعد إلى السماء ولَم يلتق بالخالق ، لكن المؤرخين اليوم يؤكدون أنه لم يتفوّه بتلك العبارة بل نسبها له خروتشوف وعندما أرسل الأمريكان رجلاً إلى الفضاء ، عاد ليقول : أنه رأى عظمة الخالق )}إنتهى الإقتباس .
وسمعتُ الداعيةَ البروفسور الدكتور زغلول النجار _ يرحمه الله _ يقول في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم : [” ذكر بعض روّاد الفضاء بأنهم رأوْا مقذوفات من النحاس ملتصقة بمركباتهم الفضائية ، وأوضح فضيلة الدكتور زغلول الإعجاز العلمي في الآية الكريمة ، قال تعالى :” ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سُكِّرت أبصارُنا بل نحن قومٌ مسحورون ” سورة الحجر ، آية (١٤-١٥) ،
و أوضح فضيلته على موقعه الإلكتروني قائلاً :
ومعنى سكِّرت أبصارنا : أُغلقت عيوننا وشُدّت ، أو غُشيت وغُطيّت لتُمنع من الإبصار ، وحينئذ لا يرى الإنسان إلا الظلام ، ولقد ثبت في مطلع الستينيات عرف الإنسان حقيقة كونية وهي أن الكون يغشاه الظلام الدامس في غالبية أجزائه وأن حزام النهار في نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس لا يتعدى سمكه مائتي كيلومتر فوق سطح البحر ، ولو ارتفع الانسان فوق ذلك فإنه يرى الشمس قرصاً أزرقاً في صفحة سوداء حالكة السواد ولا يقطع هذا السواد إلا بعض البقع الباهتة الضوء من مواقع للنجوم ] إنتهى الإقتباس .
ولقد أتى الله على ذكر الشمس والقمر والفلك التي تجري في البحار والفاصل والعازل بين بحرين فلا يلتقيان ، قال تعالى : ” مرج البحرين يلتقيان ” ١٩ ” بينهما برزخٌ لا يبغيان ” آية ٢٠ من سورة الرحمن ، وهاتين الآيتين الكريمتين وغيرهما كانتا سبباً في إسلام عالم البحار الفرنسي جاك كوستو _ يرحمه الله _
ففي العام ١٩٧٧ م وفِي مؤتمر علمي يحضره أكثر من خمسة آلاف عالم ، بأكاديمية العلوم بالعاصمة باريس ، وعلى المنصة أعلن إسلامه ، وذلك لِمَا رآه عالِم البحار بعينيه قوله تعالى :” بينهما برزخٌ لا يبغيان ” رآها في مضيق جبل طارق بين البحر والمتوسط والمحيط الأطلنطي ورآها أيضاً عند باب المندب ، بين البحر الأحمر والمحيط الهندي .
وعودٌ على بدء ، يقول الإمام الجليل الطبري _ يرحمه الله _ في تفسير قوله تعالى :” يُرسل عليكما شُواظٌ ونُحاسٍ فلا تنتصران ” الرحمن ، آية (٣٥) : [[” يقول تعالى ذِكره ( يُرسل عليكما ) أيها الثقلان يوم القيامة ( شُواظٌ من نار ) وهو لهبها من حيث تشتعل وتؤجج بغير دخان كان فيه ، ومنه قول الشاعر رؤبة بن العجّاج :
إن لهم من وَقعِنا أيقاظا @@@ ونارُ حربٍ تُسعِرُ الشواظا
ذكر فضيلته ” من قال ذلك : حدّثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنى معاوية ، عن عليّ عن العبّاس ، قوله : ( شُواظٌ من نار ) قال الشُواظ : الأخضر المتقطع من النار ، حدّثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد ( يرسل عليكما شُواظٌ من نار ) قال : اللهب المتقطع ، المتقطع : كذا في الأصل ، وهو ذلك بالشوكاني (٥-١٣٤) ]] . انتهى كلامه _ يرحمه الله _ .
وكل هؤلاء الرواة وما ذكره عنهم لم يأتوا على ذكر أن هذة الآية خاصة بيوم القيامة كما قال فضيلته بصدر تفسيره .
أقول وبالله التوفيق مجتهداً قد أصيب ولي أجران وقد أخطيء فلي أجر واحد ، أقول : أن هذة الآية الكريمة تخص الحياة الدنيا وليست الآخرة في يوم القيامة للأسباب التالية :
١- من ذكرهم فضيلته من المروي عنهم ، لم يذكروا بأن هذة الآية تخص الثقلين يوم القيامة .
٢- تفسير فضيلته { في قوله تعالى : يقول تعالى ذِكره ( يُرسل عليكما ) أيها الثقلان يوم القيامة ( شُواظٌ من نار ) } وهنا عممّ فضيلته الآية الكريمة ومافيها من عذاب على جميع وكل الثقلين الإنس والجان في حين أن كلمة ( عليكما ) تفيد التخصيص على فئتين فقط نالت العلم واخترقت الفضاء ومنهما من كفر بآلاء الله بل أنكر وجود الله أصلا ،
كما في سورة الحجرات ، قال تعالى :” وإن طائفتان من المؤمنين إقتتلوا فأصلحوا بينهما …..” الآية ٩ سورة الحجرات ، فسماهم مؤمنين مع القتال ( صيغة الجمع ) ، وفِي حالة الصلح على التحديد ، قال تعالى : فأصلحوا بينهما ، ولَم يقل ( فأصلحوا بينهم ) أي التخصيص على تثنية .
٣- لم يعاصر فضيلته زمن هبوط الإنسان على القمر ، والمقذوفات النحاسية التي ألتصقت بمركباتهم الفضائية ، في عصرنا الحديث .
٤- يقول الحق سبحانه وتعالى في نفس السورة الرحمن : ” فإذا إنشقت السماء فكانت وردةً كالدهان ” آية ٣٧ واتبعها قوله تعالى :” فيومئذٍ لا يُسألُ عن ذنبه أنسٌ ولا جان ٌ ” آية ٣٩
٥- قال تعالى ” إنّ الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يُكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامّة ولا يُزكيهم ولهم عَذَابٌ أليمٌ ” سورة آل عمران ، الآية ٧٧ .
كما أن قوله تعالى ” يشترون ” تدل على حالهم في الدنيا ، تماماً كما قال سبحانه وتعالى وتحدى الثقلين الإنس والجن في حياتهم الدنيا وليست في الآخرة ، قال تعالى ” يامعشر الجن والإنس إن إستطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ” سورة الرحمن ، آية ٣٥ وأعقبها تعالى بتخصيص فئتين من كفر منهما يُذقه أولا في الدنيا جزاء الإنفاذ والكفر بآلاء الله ، شُواظٌ من من نارٍ ونحاس فلا ينتصران ، ولقد ثبت في عصرنا الحديث إلتصاق النحاس بالمركبات الفضائية عند عودتها . كما أن الآية رقم ٣٣ هي تحدٍ من الله للثقلين والذي لا مكان له في يوم القيامة ، حيث خشعت الأصوات للرحمن ولا تسمع إلا همسا .
فضلاً لا أحدٌ يتصور أنني أطعنُ _ والعياذ بالله _ في تفسير الأمام الجليل الطبري يرحمه الله، فما أنا إلا فسلةٌ في بساتين علم الإمام الجليل ونخيله المثمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . وما أنا إلا نقطةٌ في بحور علم الإمام الجليل الطبري _ يرحمه الله _ .بل حاولت إضافة عصرية
بنشر مقالي هذا ، الله أسأل أن يؤجرني وإيّاكم ويُثّقل موازين حسناتنا ، آمين .
يقول سيدنا عثمان بن عفّان _ ذو النورين رضي الله عنه وأرضاه : لو طهُرَت قلوُبُنا لما شبعت من كلام ربنا .
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ، وصل اللّهُمّ وبارك وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، آمين . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
بقلمي : أشرف خاطر .
التعليقات مغلقة.