آية و تفسير “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون”
آية و تفسير “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون”
دكتورة وجيهة السطل
طابت أيامكم ، وحسُنت أعمالكم ،وأعاننا الله وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
القرآن الكريم مرآة اللغة العربية الفصيحة.وفيصلنا عند أي خلاف نحوي أو لغوي.واللغة العربية سبيل المفسرين لفهم كلام الله تعالى .
هناك هرمون في الجسم يفرز خلايا على القلب عندما نغفل عن ذكر الله. ومن ثم يتكون غشاء على القلب يسمى (( الران )) ويسبب اكتئابًا حادًّا وحزنًا وضيقًا شديدين .
قال تعالى …
“كلا بل ران على قلوبهم “
كثيرًا ما تتناقل الصفحات على شبكة “الإنترنت”. هذا المفهوم الخاطئ للآية ويقولون في شرحه : الران غلاف سميك أو صدأ يتكوَّن على قلب الغافل عن ذكر الله .
وتقول كتب التفسير:
قوله -تعالى- : “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون” كلا : ردع وزجر ، أي ليس هو أساطير الأولين . وقال الحسن : معناها حقا ران على قلوبهم . وقيل : في الترمذي : عن أبي هريرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : “إن العبد إذا أخطأ خطيئة، نكتت في قلبه نكتة سوداء ، فإذا هو نزع واستغفر الله وتاب ، صقل قلبه ، فإن عاد زيد فيها ، حتى تعلو على قلبه ” . قال : هذا حديث حسن صحيح .
قال المفسرون : هو الذنب على الذنب حتى يسودَّ القلب .
وبذا قال مجاهد : هي مثل الآية التي في سورة البقرة : بلى من كسب سيئة الآية . ونحوه عن الفراء ؛قال : يقول كثرت المعاصي منهم والذنوب ، فأحاطت بقلوبهم ، فذلك الرين عليها . وروي عن مجاهد أيضا قال : القلب مثل الكهف ورفع كفه ، فإذا أذنب العبد الذنب انقبض ، وضم إصبعه ، فإذا أذنب الذنب انقبض ، وضم أخرى ، حتى ضم أصابعه كلها ، حتى يطبع على قلبه . قال : وكانوا يرون أن ذلك هو الرين ، ثم قرأ : كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون .
ولم يرد عند مجاهد ولا عند الفراء ولا غيرهما من المفسرين لفظ الران على أنه الاسم .بل ذكروا المصدر الرين .ثم أتوا بالآية .
وهذا ما جاء به اللغويون .ولا يمكن أن يختلفا ، فالقرآن مرآة اللغة الفصيحة ، واللغة العربية سبيل المفسرين لفهم كلام الله – عزَّ وجلَّ –
وقد أجمع أهل اللغة على أنه يقال : ران على قلبه ذنبُه يرينُ ريْنًا وريونًا أي غلب . قال أبو عبيدة في قوله : كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون أي غلب . وقال أبو عبيد : كل ما غلبك وعلاك فقد ران بك ، ورانك ، وران عليك.وقال الشاعر:
وكم ران من ذنب على قلب فاجر
فتاب من الذنب الذي ران وانجلى
ورانَت الخمر على عقله : أي غلبته ، وران عليه النعاس : إذا غطاه . ومنه قول عمر -رضي الله عنه- في الأسيفع – أسيفع جهينة – : فأصبح قد رِين به . أي غلبته الديون ، وكان يدان . ومنه قول أبي زبيد يصف رجلًا شرب حتى غلبه الشراب سكرًا ، فقال :
ثم لما رآه رانَتْ به الخمر *
فقوله : رانت به الخمر ، أي غلبت على عقله وقلبه . وقال الأموي : قد أران القوم فهم مُرينون : إذا هلكت مواشيهم وهَزلت . وهذا من الأمر الذي أتاهم مما يغلبهم ، فلا يستطيعون احتماله . قال أبو زيد يقال : قد رِين بالرجل ريْنًا : إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه ، ولا قبل له به .وقال أبو معاذ النحوي : الرين : أن يسودَّ القلب من الذنوب ( وهذا حرفيًّا ما قاله المفسرون ). والطبع أن يطبع على القلب ؛ وهذا أشد من الريْن ، والإقفال أشد من الطبع .
الزجَّاج : الريْن : هو كالصدأ يغشي القلب كالغيم الرقيق، ومثله الغين ، يقال : غين على قلبه : غطي . والغين : شجر ملتف ، الواحدة غيناء ، أي خضراء ، كثيرة الورق ، ملتفة الأغصان . وقد تقدم قول الفراء : إنه إحاطة الذنب بالقلوب .
وذكر الثعلبي عن ابن عباس : ران على قلوبهم : أي غطى عليها . وهذا هو الصحيح عنه إن شاء الله . وقرأ حمزة والكسائي والأعمش وأبو بكر والمفضل ( ران ) بالإمالة،لأن فاء الفعل الراء ، وعينه الألف منقلبة من ياء ، فحسنت الإمالة لذلك . ومن فتح فعلى الأصل؛ لأن باب فاء الفعل في ( فعل ) الفتح ، مثل كال وباع ونحوه . واختاره أبو عبيد وأبو حاتم .
ووقَف حفص ( بل ) ثم يبتدئ ( ران ) وقفا يبين اللام ، لا للسكت.
والملاحظ مما سبق، أنه لم يذكر أحد من اللغويين، ولا الشواهد التي أتوا بها (ران) على أنها اسم . وحين
أرادوا الاسمية ذكروا الرين بالياء مصدر ران يرين.
وذكروا في كتب التفسير عند الحديث اللغوي عن الآية : (روى عبد الغني بن سعيد عن موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ، وعن موسى عن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس شيئا الله أعلم بصحته . قال : هو الران الذي يكون على الفخذين والساق والقدم ، وهو الذي يلبس في الحرب .قال : وقال آخرون : الران : الخاطر الذي يخطر بقلب الرجل . وهذا مما لا يضمن عهدة صحته . فالله أعلم).
ومن الواضح أنه لا علاقة له بالآية ولو صح ووُثِّق.
أما حكاية هرمون الران فهذا ناجم عن قصور في الفهم ، وفساد في الاستدلال، وجهل باللغة العربية !!!
الآية تقول ” كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا به يكسبون” المطففين /١٤
والمعنى : لقد استغرقهم وتملك منهم وسيطر على قلوبهم( وهذا معنى ران )وهذا ماذكره علماء التفسير حين شرحوه لغة . وقالوا ران على قلبه أي غلبه على أمره .
ولا أدري كيف استقام معهم الأمران .ولعل التفسير الخاطئ نجم عن حديث شريف نقله عنه -صلى الله عليه وسلم- أبو هريرة رضي الله عنه ( قال إن العبد إذا أذنب ذنبًا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب منها صقل قلبه وإن زاد زادت.) فذلك قول الله ” كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون “
وفي الدر المنثور – (ج ١٠ / ص ٢١٧)
أخرج أحمد وعبد بن حميد والحاكم والترمذي وصححاه والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن حبان وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن العبد إذا أذنب ذنباً نكتت في قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه . وإن عاد زادت حتى تعلو قلبه ، فذلك الران الذي ذكر الله في القرآن ” كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون “.
نص الحديث فذلك الران الذي ذكره الله في القرآن الكريم. لم يقل إنه صدأ اسمه (ران).
وأنا أستبعد ما يقولونه من أن (ران) اسم لا فعل . وقد ناقشت ذلك لغويًّا ونحويًّا وحتى على أقلام المفسرين .
ومنه أيضًا ماجاء في تفسير ابن كثير – (ج ٨ / ص ٣٥٠)
وإنما حجب قلوبهم عن الإيمان به ما عليها من الرَّيْن الذي قد لبس قلوبهم من كثرة الذنوب والخطايا؛ ولهذا قال تعالى: “كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ “والرين يعتري قلوبَ الكافرين، والغيم للأبرار، والغين للمقربين.
وأظن ما أضيف في بعض الروايات ((وهو الران صدأ يغلف القلب من غفلته عن ذكر الله قال تعالى :” كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون “من كلام النقلة .
فقد ذكر -صلى الله عليه وسلم- الآية دليلًا ولم يقل إنه صدأ اسمه ران . وليس هو صلى الله عليه وسلم وقد قال عن نفسه أنا أفصح العرب من لا يفرق بين فعل ران والاسم .(الران) لو وجد .
ولو كان الران اسمًا كما يزعم المتناقلون للخبر .لأتى مرفوعًا على أنه خبر لمبتدأ محذوف . كلا بل (هو) رانٌ على قلوبهم . ولم ترد بهذا قراءة .
اللهم علمنا العلم النافع ، وجنِّبنا الزلل ، واغفر لنا ، ولاتؤاخذنا إن نسينا ،أو أخطأنا .
ولكم تحياتي..
التعليقات مغلقة.