أبيض فاقع أسود فاتح … سامح الشبة
قصة قصيرة :- أبيض فاقع … أسود فاتح
بقلم سامح الشبة
” وبعد الليل يجينا النور ….
وبعد الغيم ربيع وزهور “
- تعالوا نعلن الشجاعة والجرأة على تحدى أسياد هذه الحارة !
التهبت أكف أهل الحارة وشبابها من فرط التصفيق . تصايحوا كالديكة إعجاباً وانبهاراً بأستاذهم فتحى الأديب … الذى يحثهم ببذل ما فى وسعهم لرفع البؤس عن الحارة .
- واحد شاى وخمسة سحلب .. لو سمحت .
فى إصغاءٍ شديد استمع عم صابر لهذه الندوة … وحاول أن يفهم ما يقصده الأستاذ فتحى الأديب … استمع للمرة الثانية … للمرة الثالثة …. أعاد الانتباه واستحضر عقله …. كل هذه المقدمات بلا نتائج … أو حتى نتيجة واحدة … فما عليه إلا أن ينتهز الفرصة لزيادة إيراد هذا المقهى وإعداد المشروبات للزبائن .
- حجر معسل وحسنه واتنين شاى يا عم صابر .
- واحد شاى سكر خفيف .
- اتنين شاى براد .
- أربعة حلبة وواحد كركاديه .
- قهوة سادة يا حاج صابر .
- أهلاً سيد حضرت فى الميعاد بالضبط … تحب تشرب إيه ؟
- شاى ثقيل يا محمود .
التفت سيد حوله كمن يخشى أن يراه أحد داخل المقهى … فضحك محمود وتعالت ضحكته الصفراء وهز رأسه باستهزاء :-
- خايف لتشوفك أمك هنا ؟!
ارتبك سيد وازداد التفاته وارتعشت كلماته :-
- أخاف من إيه … دى أمى ؟!
- استأذنت منها قبل ما تيجى هنا ؟!
سيد منفعلاً غاضباً صارخاً :-
- ملهاش شأن بخروجى ودخولى … أنا باخرج زى ما أنا عايز وفى الوقت اللى يعجبنى .
محمود ساخراً :-
- أيوه … أيوه … تخرج فى الوقت اللى يعجبك ويناسبها هى الأول … هى اتأخرت كدا ليه …. هاتفوتها الجلسة الأدبية بتاعة الأستاذ فتحى الأديب .
سيد بحدة :-
- محمود … اسكت ولا أقوم على فتحى ده بالضرب وأخليه ما يساوى صرصار حوالين الحشرات اللى حواليه دول .
مازال محمود ساخراً :-
- طبعاً … طبعاً … تقدر تضربه لحد ما تموته وهو يستاهل … دا أنت سيد والأجر على الله … بس قولى ليه عايز تضربه … عشان بيمدح فى أمك فى روايته الجديدة .
سيد بغيظ :-
- مش كده .
محمود بصوتٍ منخفض مائلاً إلى أذنه :-
- آه … آه … عرفت السبب ، عشان كتب قصة أمك الحقيقية وعلاقتها بابن العمدة وهروبه ليلة الدخلة … ولا إيه رأيك يا سيد ؟!
سيد بصوت مرتفع مرتعش مهدداً :-
- ما تتعداش حدودك يا محمود .
محمود بتحدٍ :-
- اتكلم زى ما أنا عايز يا جدع وف الوقت اللى أنا عايزه .
سيد بتحذير :-
- كدا يا محمود .
محمود بإصرار :-
- أيوه يا سيد .
ضج ضجيج رهيب داخل المقهى … وجرى بعض الفتيان وراء سيد … والأستاذ فتحى الأديب مع رجال الحارة يداوون نزيف حاد أصاب رأس محمود .
حملوه على أكتافهم مسرعين به إلى أقرب وحدة إسعاف … أوقف أحدهم عربة أجرة … نزل السائق … فتح الباب … توقفت أنفاس محمود على أكتافهم … طرحوه أرضاً … إذا به جثةً هامدة … لا حِراك … لا أنفاس … لا نبض … وجدوه ساكناً كالسكون الذى أصابهم …
توقفوا عن الحركة … توقف المارة عن السير … توقف الأستاذ فتحى الأديب عن الكلام … سكن الليل … سكن عم صابر فى مقهاه … تسمر الجميع … اختفى القمر … استقرت النجوم فى فضائها … مر السحاب الأبيض … حلت سحابة مسودة سودت الحارة … أسقطت المطر وأطفأت كهرباء الحارة … اشتدت الظلمة واشتد المطر … غسل جثة محمود … غسل أسياد الحارة … غسل أديب الحارة … غسل مقهى عم صابر .. غسل أم سيد … رعدت السماء … برقت الدنيا ببريقِ مختلف … زلزلت الحارة … اهتزوا … ارتجفوا … خافوا أن يخطف البرق أبصارهم … أسرعوا جميعاً داخل المقهى … تاركين الجثة فى قلب الحارة وحدها .
قامت عاصفة من مرقدها … أثارت التراب فى أجواء الحارة … أغلقت الحارة أبوابها .
لم يعد يرى عم صابر أحد فى الحارة .
- كثيف جداً هذا الضباب … لا أرى حتى نفسى .
- ولا أنا أيضاً يا عم صابر … أين أنت … أين صورتك … أسمع صوتك فقط .
صاح عم صابر :-
- أين جثة محمود …. أين جثة محمود ؟!
أشار الفتى بيده :-
- هنا يا عم صابر !
- أين يا حسان ؟
- هنا … ألا تراها ؟
- لا يا حسان !
- إنها داخل المقهى بجانب الشيش !
عم صابر متعجباً :-
- بجانب الشيش !
ازداد الضباب … اشتد لونه … ارتدى عم صابر والأستاذ فتحى الأديب وأهل الحارة لون الضباب .
التعليقات مغلقة.