أبيض وأسود بقلم بقلم: حاتم السيد مصيلحي
لونان متضادان، ومؤشران للخير والشر، يحملان دلالات الفطرة، ويعبران عن وضوح الرؤية من عدمها، بعيدا عن طيف الألوان وتعددها، وخداع البصر وزيغه، يراهما البعض عودة للوراء لما خلفته الأزمان، وجسدته كلاسيكيات التعبير والعدسات، ويصورهما البعض الآخر دفء المشاعر وواقعية الإحساس، فلما اختلط اللونان واتحد العنصران ظهر لون رمادي باهت يحير الألباب،فلا هو إلى سواد ولا إلى بياض، بل هما يتجاذبان كتجاذب الخير والشر داخل نفس الإنسان، فتزداد رقعة البياض فيه تارة ككدر في ماء صاف، ويزداد غيمها، وينطفيء صفاؤها تارة أخرى إذا عمها السواد.
يسألني أبنائي دائما لماذا تلجأ دائما إلى القديم؟ وتكثر مشاهداتك للأبيض والأسود؟ وتقرأ من الأوراق مااصفر لونه، وبهت خطه؟ فلا أجد رأي يقنعهم، ولا إجابة تشبعهم سوى أنني أرى فيها الأصول، وطريق الوصول إلى الفروع،ومن عرف الأصل وفقهه، قاده إلى الفرع دون إبطاء، وسلك به مسالك الفهم والإدراك. إن ما يعانيه أبناؤنا اليوم من تسطح وعدم إدراك، ناتج من نواتج الانسلاخ التام عن القديم ونبذه ورفضه بكل أشكاله، لا لشيء إلا أنه قديم،ولا يتماشى مع عصرهم بمعطياته ومطلوبه، مما زاد الفجوة بين الأجيال، وضعَّف الانتماء، وجعل نظرهم مشدودا إلى طيف الألوان بتعدده المبهر،وتمازجه المربك الذي أفقدهم التمييز، والقدرة على التفكير السليم المبني على أسس ورواسخ ثابتة مبعثها كل قديم، وإن بدا في الأفق لون جديد.
التعليقات مغلقة.