أثناء زيارتي للمدرسة بقلم : د.إبراهيم مصري النهر
صادفَت زيارتي للمدرسة لتفقد أحوال التلميذات الصحية وقت الفسحة، وجدت التلميذات يلعبن في الفناء إلا هي لاحظتها؛ شاحبة الوجه، هالة داكنة حول عينيها، تنظر بنظرات ذابلة إلى زميلاتها اللاتي يجرين ويقفزن بمرح، يبدو عليها من وقفتها ما يوحي بالتعب، تسند جذعها إلى سور المدرسة رغم حداثة سنها؛ ما زالت تلميذة بزيها المدرسي الكحلي!
-اقتربت منها وسألتها بإشفاق: هل أنت مريضة؟
أجابت بصوت خفيض: لست مريضة لكني لم أتناول طعاما منذ ظهر أمس.. رجيم.
تأملت الجسد النحيل لصبية في مطلع المراهقة وسألتها: أأنتِ تتبعين الرجيم؟!.. مازلتِ في مرحلة النمو وجسمك بحاجة إلى تغذية سليمة!
ردت باستغراب وبلهجة من ينهي جدلا في مسألة محسومة: لكن أنا بنت ولازم أكون رشيقة، هكذا، أشاهدهم على شاشة التلفاز يوصوننا بالحمية الغذائية ويحذروننا من السمنة ويقولون نصف الجمال في النحافة ونصفه الآخر في النحافة أيضا وذلك كل صباح ومساء وعلى لسان خبراء في التغذية.. لا أود أن أكون ممتلئة مثل أختي الكبرى التي عنست بسبب السمنة المفرطة، واستطردت: وكما يقولون البطنة تذهب الفطنة.
وقبل أن تكمل قاطعتها: يا بنيتي معلوماتك مغلوطة، هؤلاء ليسوا خبراء إنما هؤلاء تجار وهذه الإعلانات يتاجرون فيها بصحة البشر بشعارات جوفاء رنانة، خلفت لنا في عقول المراهقين والمراهقات فوبيا السمنة وهوس النحافة، يا بنيتي ألم تقرئي هذه الحكمة المكتوبة بالخط الأحمر العريض على هذا السور الذي تسندين إليه بدنك الواهن “العقل السليم في الجسم السليم“؟
-لكن أنا جسمي سليم، ولذلك أنا من الأوائل يا دكتور.
-أنت جسمك هزيل بسبب سوء التغذية ولو استمر هذا الحال أكثر من ذلك سيؤثر على عقلك وذكائك لا محالة.
ولم تمهلنا دقات جرس انتهاء الفسحة لإتمام الحديث؛ أشاحت بوجهها عني وانصرفت من أمامي في عمر الصبا وخطى العجائز!
التعليقات مغلقة.