احلام موءودة
زينب عبد الكريم
بثياب رثة بالية كان يمسك بطرف خيط طائرته الورقية يحاكي السماء علها تهطل فرحا وعلى أشعة الشمس الملونه كان يرسل أحلامه الى الله علها تصل .هكذا كان يظن وهكذا كان يقضي نهاره بعد ان يعود متعبا من بيع المناديل الورقية في الطرقات ..
يعود مستدرجا خطاه الى طائرته متلهفا
بكل نشوة الطفولة التي داهمتها الحياة واثقلتها بوافر التعب والضيق . لم تكن أحلامه كبيرة فهي صغيرة بصغر حذائه الذي لم يبدله منذ زمن , وبصغر تلك الغرفة التي كانت تضمه مع امه واخواته الثلاث .
هكذا كانت احلام محمد مبهجة تتوسم بافكار بسيطة طالما داعبت عقله . كان كل حلمه بيت بشكل كوخ صغير من الخشب, على نهر صغير يعانق سقفه أمشاق النخيل وعلى مرآى منه حديقة صغيرة ومزلقة تودي به الى النهر كلما عاد من بيع المناديل ليهرب اليه من شمس النهار ..حلم مترف بالخيال يكاد يفيض به رأسه الصغير . حلم صغير كان اكبر منه .اكبر من واقعه المرير.
هاهو الصباح يطل عليه مرة اخرى وعليه ان يعود لتلك المهمة .أستيقظ وفي جعبته اشمئزاز كبير . فقد حاول أحدهم التحرش به الليلة الماضية .الامر الذي أخفاه عن امه .
“أمي لااريد النزول اليوم” قالها وشفاهه ترتجف خيفة أن يفتضح أمره.فتسارعت لترد : لم ياطفلي الحبيب ؟
: الطقس مشمس جدا وانا تعب .
: ولكن لا طعام في البيت . قالتها وعبرة.تكاد تخنقها ثم احتضنته ,
مسدت على راسه الصغير : لاعليك ساتدبر امري .
أحتضنته بكل قوة كادت ان تضيق عليه نفسه كانت حضنة تود من خلالها لو انها تستطيع ان تنقل احساسها بالمه وامتعاقه من هذا الوضع المزري . أما هو فأحسها وكأنها ذلك الكوخ الذي حلم به
الملجا والامان . الحضن الدافيء الذي سيحميه .لا من البرد والحر بل من شراذم نفوس ضعيفة كانت تنتظره في ازقة المدينة . عانقها قائلا : اذن سأبقى اليوم في المنزل وسأطير طائرتي الجميلة أمي .
قبلها على جبينها ثم هم راكضا للسطح عائدا الى أحلامه وكأنه يرى فيها الخلاص.
إنتهى اليوم وانتهى عذره الاول في التمنع من النزول وها هو الليل بدا يجر خيوطه لييزغ فجر يوم جديد وكالعادة استيقظ مبكرا فقد اعتاد على النهوض. لم يعرف قط النوم الى الظهيرة حتى بات موعدا محتما للنهوض لايحتاج حتى الى منبه.
فتح عينيه ولم يلبث هنيهة حتى تذكر ذلك الوجه القبيح الذي ينتظره في الشارع و بدا يفكر في عذر اخر يقنع بها والدته للهروب منه.لكن ماجدوى التفكير وهو يعرف ان البيت يفتقد الى الطعام . امه واخواته كيف
له ان يتركهم للجوع ؟ لم يكن طفلا عاديا,
لقد تخطى عمره بكثير .تجاوز الطفولة
التي لم يتذوق.لها طعما. طفولة مذبوحة.وما ان مر نصف ساعة حتى كان في الطرف الاخر من الشارع يمارس بيع المناديل وينادي بصوته الطفولي “مناديل للبيع .مناديل للبيع” وفجاة لمح ذلك الوجه.البشع يقترب منه حتي بدا له كشيطان . فأخرس صوته ولم يعد يسمع له صوت البته.وبينما مر الليل كانت الأم تنتظر صغيرها ان يعود . فقد فات موعد قدومه المعتاد . كانت تنتظر وكل مافيها مضطرب . دقات قلبها , رعشة يديها واصفرار وجهها وماهي كذلك حتي رن الهاتف
: الو , سيدتي وجدنا جثة قرب النهر المحاذي للكوخ موثق العينين ويديه مربوطة بجذع نخلة وكان يحمل في جيبه ورقة عليها رقمك هذا فهل لك ان تاتي .
التعليقات مغلقة.