أرضُ الله بقلم محمد كمال سالم
في إحدي بلدان دلتا مصر….
يعود العامل،صابر، إلي بيته بخطوات مهزومة،يجول ببصره في اللا شئ،وقد سيطر عليه الشعور بالعجز،تحدثه نفسه:
“كان ينقصنا هذا الوباء،ليضيف فوق الهمْ همْا”
يضرُب الأرض بإحدى قدميه غاضبًا،يثير زوبعة من غبار: حتى التراب أصبح مُخيفا.
يدخل إلي بيته المؤجر المتواضع،تُلاقيه زوجته بوجه شاحب مُجهَد،يلتف صغارُه حول قدميه،تمتد أيديهم الصغيرة،محاولة بلوغ ما يحمله من شُنط بلاستيكية سوداء،يناولها زوجته قائلًا:
( دبري حالك بدول،صفونا من الشغل بسبب الوباء)
تمر الأيام ثقيلة جافة،يتجرع صابر فيها مرارة القعود الإجباري،كَرِه قلة حيلته،حتي الصلاة في المسجد،حُرِمنا منها،وقد كنا نتكاسل عنها.
وأصبح رويدًا رويدًا عصبي المزاج كلما ترددت( خليك في البيت)..
أوشك الزاد أن ينفد،،،،لم يُفلح تظاهره بأنه يأكل كلما اجتمعوا علي الطعام،في توفير اللقيمات للصغار.
نهض من فراشه المؤرِق،حين أذن للفجر،تناول قميصه يرتديه،فبادرته زوجته:
إلي أين يا صابر؟ ألم تسمع المؤذن يقول “صلوا في بيوتكم!!”
قال لها دون أن يلتفت:
سمعته، سأسافر إلي مصر أبحث عن عمل.
هي: تُسافر؟!! والوباء؟!! تريد أن تموت؟!!
هو: أنا لا أهاب كورونا أو الموت،إنما أكره،قلة حيلتي،وقعودي عن السعي عليكِ وعلي أطفالي.
تناول نعليه يرتديهما،ثم أردف:
الموت أكرَم من الخوف زوجتي،لا تقلقي،مثلي يهابه الموت،سأعود سريعًا.
ودعته وهو يخرج من البيت بوجل،وقلب يضطرب: احترس لنفسك،ضع شالك علي أنفك،وتوكل علي الرازق المنان.
خرَج،يتحسس خطواته في ظلام الطريق،الصمت والخواء يلف البيوت، وكأنها المقابر،تختلج في نفسه مشاعر، لا يستطيع التعبير عنها.. الضوء رمادي كالح ،والصورة باهتة،دون خطوط أو ظِلال،يعتركه خوف مغامرة،يخوضها للمرة الأولى.
كان زمن خطواته إلي محطة القطار كافيًا أن يُرفع فيه وقت الحظر،واستقل أول قطار للقاهرة.
لفظته كل أبواب المصانع تُسمعهُ جملة واحدة( إحنا بنصفي عمالنا،وانت جاي تسأل عن شُغل)
إتصل بأحد أقربائه،،تنصل منه لطفًا.
بات أول ليلة،فوق عتبة مسجد مُغلق يتوسد نعليه، غفى قليلا فحلم أن أطفاله ضاعوا منه في فلاة،وأعياه البحث عنهم،ثم أيقظته برودة الأرض تحت جنبيه.
تكرر الحال في اليوم الثاني،لما تكرر الصد عن كل أبواب الرزق، الناس تتجنب حتى الحديث إليه، دون كمامة أو قفاز في يديه،حتى استبد به اليأس ،ونال منه الجوع والتعب،وضاق صدره بالهواء،،،،،قرر العودة.
وعند محطة القطار،منعه الحرس:
عليك أن تعود في الصباح،فقد بدأت ساعات الحظر.
وفي حديقة لا خُضرة فيها،توسد نعليه من جديد ونام،،ورأى فيما يرى النائم:
أنه في أرض واسعة من فضة،يظلها سحاب لطيف يُرسل المطر،ومع كل نقطة ماء،ملَك موكل بها، يضعها حيث أراد الله،فتٌنبِتُ من فورها،خضرا بهيجا،ومن كل الثمرات.
بينما زوجته وأطفاله فرحون يمرحون.
التعليقات مغلقة.