أسرار في فن الإلقاء
أسرار في فن الإلقاء …
د. وجيهة السطل
الإلقاء والهواء: الإلقاء أولًا وأخيرًا فن سلاحُه الصوت لأنه يتعامل مع اللغة، وما اللغةإلا أصوات مركبة بطريقة أوباخرى . لذا فتحية الملقي الأولى إلى سامعيه أن يسمعَهم صوته جيدًا، ثم أن يكون قادرًا على نقل المعاني كاملة عبر نبرات صوته وجرسه، وإيقاعاته، وعلى تلوين النغمات الصوتية بما يتناسب والمواقف الكلامية .
والملقي أو المتحدث يتعامل مع الهواء الذي هو مادة الصوت، فهو
يعبُّ الهواء في الشهيق، ويختزن قدراً منه، ليعاود طرحه في عملية الزفير أثناء التكلم أو الإلقاء دون لهاثٍ أو إنهاك أو تقطيع. والصوت هو التعبير المسموع عن المعاني، وينبغي أن يدرك الملقي أن الشهيق كسب وادخار للمادة الرئيسةالتي يبذلها في الإلقاء، بذلاً مناسباً، وعطاءً متغيِّرًا متجدِّدًا أثناء الزفير. ويجب أن تنساق الجمل بوفرة من الهواء تدفعها دفعاً، سليمة منسابة إلى أذن السامع دون تكلف أوعناء.
ومن المعروف أن الكلام صورة تطبيقية للظاهرة الطبيعية التي تدرك بحاسة السمع، وهي ظاهرة انتشار الصوت وانتقاله. فالملقي يحرك ذرات الهواء الملامسة لفمه، فتنتقل الموجات الصوتية، انتقالاً فيزيائياً عن طريق التضاغط والتخلخل في موجات عرضية أشبه بالدوامات التي يحدثها حجر نلقيه في الماء،حتى تلامس طبلة أذن السامع فيهتز غشاؤها متأثِّرًا بتللك الذبذبات،ثم ينقلها عبر العصب السمعي إلى المخ، فيترجمها المخ إلى دلالاتها المحفوظة عند السامع، وبقدر رصيده الدلالي من تلك الأصوات، يستطيع فهم ما يسمعه، والسمع لا إرادي أما الفهم والإدراك فيتوقفان على الإنصات والرغبة في الفهم .
ومن هذا المنطلق فإن لصفات الصوت الفيزيائية التي تعطيه أبعاده المختلفة أهميةً كبيرة في عملية الإلقاء. وهذه الأبعاد هي: الطول والعرض ، الامتداد والقصر ، الارتفاع والانخفاض، الشدة والضعف، الجهر والهمس.
وكي يمتلك الملقي أذهان سامعيه عليه أن يستخدم ، الأبعاد المتاحة في صوته ،خير استخدام. وأن يحسن اختيار نقطة الانطلاق في الحديث أو الخطاب أو المحاضرة فلا يبدأ بنبرة صارخة رفيعة، ولا بنبرة خفيضة خشنة،بل يحسن اختيار الصوت الذي سيبدأ منه موسيقيًّا، كي تتوالى نغمات الكلمات بعد ذلك متناسقة المعاني، منتهية إلى النهاية المرسومة لها والتي تشعر المتلقي بانتهاء الكلام . وينبغي لنبرة المتحدث أن تفصح عن استمرارية الفكرة أو الجملة أو الموضوع، أو تدل على انتهائها. وهذا ما تضيئه عند الكتابة علامات الترقيم فتحدد الوقفة القصيرة، والوقفة التامة، وتنبئ عن تلون نبرات الصوت وفق ما يراد من المعاني.
تحياتي للجميع .
التعليقات مغلقة.