اسرة سعيدة
بقلم /نوال احمد رمضان
تقدم لخطبتها بعد ان شغلت فكرَه رواياتُ الكثيرين عنها، عن خُلقِها وثقافتِها وتعليمِها، كل ما فيها رائع.
دبر الاصدقاءُ لقاءً للتعارفِ، دقائقٌ معدودةٌ وانصرفت دون ان تُبدى رفضًا او قبولًا ولم تعره اهتمامًا لكنه هام بها.
وقف أمام المرآة يستجدى شعورًا بالاطمئنانِ، ضحكت أمُه وهى تُقبلُه: ” ان شاء الله توافق ..هتلاقى احسن منك فين يا إبن عمرى ؟! ”
ابتسم وهو يؤكد لأمِه الطيبة: ” إن مثلها حُلم للجميع ياحبيبتى ” ..
فى حجرةِ استقبالِ البيتِ الكبيرِ .. جلس وأمُه وقد اصابتهما فخامةُ المنزلِ واثاثُه وديكوراتُه بالصدمةِ، بدأت الامُ الحديثَ وهى تتظاهر بالتفاخرِ: ” محمد مش ابن اختى ابدًا ده ابنى، جدع وشهم واخلاقه مفيش زيها”
ضحك والدُ نهى وهو يرحبُ بهم – استفساراتٌ عديدةٌ ومعلوماتٌ وحكاياتٌ تُرويها امه – ثم طلب مُهلة للتفكيرِ والردِ، وكم كانت المُهلة قصيرةً جدًا، بضع ساعات ووصل الردُ: ” نعتذر .. محمد شابٌ هائلٌ لكن ظروفه المادية والاجتماعية لا تُناسب نُهى ..ربنا يوفقه ويرزقه بالأفضلِ ”
بكت امُه، حاولت ان تشرح مميزاتِه الرائعةِ فلم يتغير شئٌ.
سنواتٌ مرت، تزوجت نُهى منِ الاجدرِ، شهور من العسل المصفى وسنوات من العلقمِ، ابكاها واهملها، ابدًا ما اسعدها ماله وحسبه ونسبه ولا الفيلا الكبيرة التى تسكنها والخدم والحشم، تحملت صاغرة؛ اختيارَها وفارسَ أحلامِها ..
حتى كان هذا المساء الذى خرج ثائرًا، متوعدًا، أوجعها كعادتِه ولم يكترث لدموعِها، أيقنت ان حساباتها وأفكارها ومعاييرها فى الاختيار كانت جام خاطئة، اعلنت مذيعة التلفاز ان رجلَ الاعمالِ الكبيرَ، واسرتَه الرائعةَ، هم ضيوف حلقة اليوم من برنامجِ – اسرة سعيدة –
ودارت الكاميرا ثم استقرت على وجه مُحمد !!!
النقد الثرى للناقدة الجميلة منى على
القناعة منحة إلهية لا تقطن إلا القلوب الراضية، فتثمر كنوزا تفيض على أصحابها بكل أنواع الرخاء، والثراء الأخلاقي يفوق بكثير كل أنواع الثراء، وليس كل ما يلمع ذهبا.
كل هذه الرسائل النبيلة قدمتها الأديبة البارعة الأستاذة نوال أحمد رمضان من خلال أقصوصتها الإنسانية “أسرة سعيدة”.
لقد اختارت قلما واقعيا واعيا يناقش قضية شائكة تتضمن مشكلة متفشية ومتوغلة فى قلب النسيج العائلي المصري، وهي سوء الاختيار عند الزواج والانخداع بالزخارف البالية تجاهلا لقول رسولنا الكريم “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه”.
وما أحوجنا إلى هذا النوع القصصي القويم وخاصة بعد ارتفاع معدلات الطلاق بشكل مؤلم.
السرد السلس تدفق حاملا لغته الفصحى البسيطة، ناقلا صراعا مريرا خارجيا بين البطلة وزوجها الثرى اللامع ماديا والمزيف جوهريا، واستمر الصراع حتى وصل للذروة ليمثل عقدة عنيدة لم تحل.
المفارقة كانت تمثل العنصر الداعم للبنية الدرامية للنص، والتي تمثلت في التناقض الكبير بين حياة البطلة البائسة وحياة “محمد” الذي رفضت البطلة الإقتران به.
النهاية الغير متوقعة أعادت تصنيف أدوار الأشخاص من جديد، فظلت البطلة منفردة بالبطولة منذ بداية النص حتى السطر قبل الأخير وإذا بمحمد الفقير يعمل ويجتهد – خلف كواليس النص- حتى يصبح من كبار رجال الأعمال ويتزوج ويهنأ بالأسرة السعيدة، فتأتي النهاية به -بعد أن غاب عن المحتوى فى منتصف السرد تقريبا- مشاركا في البطولة.
وتختم الكاتبة أقصوصتها برسالة جديدة رائعة تقول فيها
“إن توغلت خيبة الأمل في النفس البشرية لحجبت عنها النجاحات، فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس”.
الشكر موصول للأديبة المحترفة وإلى المزيد من الرسائل الإيجابية الداعمة لبناء حياة الأسر الناجحة.
التعليقات مغلقة.