أعطوا ما لقيصر لقيصر
أعطوا ما لقيصر لقيصر
د.أحمد دبيان
حين حاول الفريسيون
و هم حزب سياسي ديني برز خلال القرن الأول داخل المجتمع اليهودي في فلسطين
( ويعود أصل مصطلح التسمية إلى اللغة الآرامية ويشير إلى الابتعاد والاعتزال عن الخاطئين)
حين حاولوا أن يوقعوا بالسيد المسيح ليصدروا للسلطة الرومانية انه طامح للملك ويريد التجهيز لثورة ضد روما وكما وردت الحادثة فى إنجيل متى
“حِينَئِذٍ ذَهَبَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. 16فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ تَلاَمِيذَهُمْ مَعَ الْهِيرُودُسِيِّينَ قَائِلِينَ: يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ بِالْحَقِّ، وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ، لأَنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ. 17فَقُلْ لَنَا: مَاذَا تَظُنُّ؟ أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟ 18فَعَلِمَ يَسُوعُ خُبْثَهُمْ وَقَالَ: لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي يَا مُرَاؤُونَ؟ 19أَرُونِي مُعَامَلَةَ الْجِزْيَةِ. فَقَدَّمُوا لَهُ دِينَارًا. 20فَقَالَ لَهُمْ: لِمَنْ هذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟ 21قَالُوا لَهُ: لِقَيْصَرَ. فَقَالَ لَهُمْ: أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ ِللهِ. 22فَلَمَّا سَمِعُوا تَعَجَّبُوا وَتَرَكُوهُ وَمَضَوْا”. أجابهم إعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله .
وحين مر الرسول فرأى أهل المدينة يأبرون النخل أى يلقحونها كما أخرج مسلم في صحيحه عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: “قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يأبرون النخل (أي وأهلها يأبرون النخل، و[أبر]الزرع يأبره بضم الباء وكسرها أبرا وإبارا لقحه وأصلحه، وأبره بالتشديد مبالغة وتكثير، أي يلقحون أعذاق إناث النخل بطلع ذكورها)، فقال عليه السلام، “ما تصنعون؟” فقالوا شيئا كنا نصنعه في الجاهلية، فقال: “لعلكم لو لم تصنعوه لكان خيرا”، فتركوه، فنفضت النخل (يقال نفضت الشجرة حملها إذا ألقته من آفة بها. – والمعنى نفضت زهرها بدون أن يستحيل بلحا، فلم تثمر) فذكر له ذلك (أي فبلغه هذا الخبر)، فقال: “إنما أنا بشر، إذا أخبرتكم بشيء من أمر دينكم فخذوا به، وإذا أخبرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر”. وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها: “إذا أخبرتكم بشيء من أمر دينكم فإنما هو بوحي، وإذا أخبرتكم بشيء من أمر دنياكم فإنما أنا بشر، وأنتم أعلم بأمور دنياكم”، ورواه موسى بن طلحة عن أبيه مرفوعا بهذا النص: “إن كان ذلك ينفعهم فليصنعوه، فإنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به، فإني لا أكذب على الله”.
فى الحادثتين عن النبيين العظيمين تبيان لفصل اللاهوت عن الشئون الدنيوية .
فمن قيصر ووجهه على العملة ، الى تأبير النخل ، وقوانين المرور وقوانين الضرائب وقوانين العقارات ، نجد أن اللاهوت الشرائعى اما قد حدد جانباً من العلاقات التنظيمية فى جانب ظرفى زمانى مجتمعى ولا اتحدث هنا على ما نزل فيه نص قاطع ملزم أو ان ما تلى وفاة الرسول الى اجتهادات من القائمين على الأمر باجتهادهم الدنيوى فى فترة تأسيس الدولة ما بعد الزخم الروحانى الدينى الى تنظيم علاقات الأفراد ، فنجد عمر بن الخطاب يأخذ بالنظم الفارسية فى الحكم فيصدر قراراته بانشاء الدوواين
والتى تعد المؤسسة الإدارية أو النظام الإداري الذي أسسه الخليفة الحاكم عمر هى النواة الأساسية لكيان الدولة الاجتماعي والسياسي في عهده، وأول أشكال الإدارة العربية الجديدة المتأثرة بالتجربة المتقدمة لشعوب البلدان المفتوحة أو المجاورة لها، وقد كان ذلك أحد أبرز الدوافع التي ساهمت في خلق إدارة مالية تعمل على تنظيم عائدات الخلافة، وتوزيعها وفق جداول ثابتة على نحو تخرج معه هذه المؤسسة من دائرتها الضيقة في الإطار العام الشامل، وذلك في ما يعرف بالديوان.
حاول أغسطينوس في القرن الخامس الميلادي أن يميز ما بين مدينة الله “والمدينة الأرضية” على اعتبار أن لكل منهما خصائصها المتباينة التي تميّزها عن الأخرى. ولم يكن أوغسطينوس في بحثه هذا إلا المعبر عن موقف الكنيسة المسيحية آنئذ من مفهوم الوطنية الذي اعتمد النظرة التقليدية للآية: “أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله”. إذ رأى المفسرون ومعظم اللاهوتيين في نص هذه الآية إعلاناً صريحاً لفصل الدين عن الدولة وبالتالي لاتخاذ موقف محدد من كل ما له علاقة بالدولة والسياسة.
كان قيصر هنا يمثل الدولة ، ذلك الوحش الليفاتيان عند توماس هوبز .
حيث رأى هوبز أن عيش الإنسان في البيئة البدائية وفق مبدأ الحق الطبيعي، سيجعل حياة الأفراد قاسية ووحشية وقصيرة لأن الكل سيخاف من الكل، لأن القوة هي التي تحكم وليست الأخلاق والفضيلة.
يرى هوبز أن الحل يكمن في وجود سلطة أو حكومة قادرة على فرض النظام والعدل والزام الأفراد باحترام مقتضيات العقد الاجتماعي، أي أن يتفقوا على التنازل عن حريتهم المطلقة للحاكم أو السلطة، شريطة أن يكون التنازل مطلقاً لا رجعة فيه.
وأن تكون للسلطة مطلق الصلاحيات في تسيير كل شيء، وهي تسطر القوانين. أي أن الأمن يرتكز على وجود سلطة قادرة على تنفيذ العقوبات. لأن الدافع الأساسي الذي يجبر الناس على احترام حقوق الجماعة هو الخوف من العقاب.
يرى هوبز أن الناس مرغمة على التنازل عن كافة حقوقها مقابل استتباب الأمن والسلام وهذا ليس بالأمر البسيط فلولا سلطة قوة الحاكم القوي، لاستطاع أي شخص يمتلك القوة اللازمة القتل والسرقة كما يحلو له من غير رادع. لذا يطالب هوبز بقيام سلطة مطلقة قوية قادرة على القضاء على الفوضى، وتعود تسمية كتابه “الليفاتيان” إلى وحش بحري اسطوري يشبه التنين يحمي الأسماك الصغيرة من الأخرى الكبيرة، وهي كناية عن ضرورة حماية السلطة القوية للأفراد المستضعفين من بطش الأقوياء.
تطور مفهوم الدولة والمجتمع على يد مفكرى عصر التنوير وابرزهم جان جاك روسو ليضع استقرار الدولة والمجتمع فى صورة عقد إجتماعى
أو مبادئ الحق السياسي حين خط كتابه العقد الاجتماعى فوضع نظريته حول أفضل طريقة لإقامة المجتمع السياسي في مواجهة مشاكل المجتمع.حيث كان الكتاب مصدر إلهام لبعض الإصلاحات السياسية أو الثورات في أوروبا وخاصة في فرنسا. فبعد سقوط الشرعية الملكية والدينية كأساس للحكم في أوروبا، أصبح من الضروري البحث عن شرعية بديلة يقوم عليها الحُكم السياسي وتتحدد على أساسها مسئوليات الحاكم والمحكوم، والواجبات والحقوق المترتبة على كل منهم. لذلك ظهر العديد من المفكرين والفلاسفة الذين عملوا على إيجاد ميثاق شرعي جديد يحكم العلاقة بين الطرفين .
ليأتى جون لوك و هو أول من قال بفصل السلطات التي نعرفها اليوم بتقسيماتها ( التنفيذية – التشريعية – القضائية). وكذلك كان للوك الدور الأبرز في فكرة الحكومة البرلمانية فيما بعد. أي أن تاثير هذا المفكر مستمر إلى يومنا هذا. والآن سنترككم مع اهم أفكاره في العقد الاجتماعي .
صور لوك الحالة الطبيعية للمجتمع على أنها حالة سلام وطمأنينة وأمان، يسود فيها حسن النية والمعونة المتبادلة. يعيش الناس في هذا المجتمع أحراراً متساوين، ويحترمون حقوق وحريات وممتلكات الآخرين. لا يحكمهم إلا القانون الطبيعي الفطري. فالحالة الطبيعية سبقت العقد الاجتماعي. و لم ير لوك فيها حرب الكل على الكل كما اعتقد هوبز. لم تكن حالة الطبيعة الأولى حالة غير اجتماعية، إنما كانت فقط غير سياسية .
ولكن في الحالة الطبيعية كان الناس قضاة على قضاياهم مما يعني بشكل أو بأخر عدم تحقيق شرط العدالة. وهذا ما حاول لوك إصلاحه عن طريق:
- قاض يطبق القانون بلا تحيز.
- قوة تنفيذية تفرض أحكام القاضي.
- جهاز تشريعي يضع قواعد موحدة لإصدار الأحكام بمقتضاها.
و لكي يتم ذلك يجب أن يتنازل كل فرد عن سلطته في العقاب، بحيث تصبح هذه السلطة محصورة بمن يعين من الناس(الجهاز التنفيذي)، على أساس تلك القواعد التي يتفق عليها الأفراد (الجهاز التشريعي).
أي أن هذا العقد هو تعاقد بين الشعب و الحكومة أو الملك، وإذا أخل طرف بهذا العقد فإنه يصبح لاغياً. أي أنَّ التنازل لصالح الملك
أو الحكومة ليس مطلقاً، ويكون التنازل للمجتمع بأسره و ليس للحكومة أو الملك، و لا يتنازل الناس في العقد الاجتماعي عن كل ما لديهم من حقوق طبيعية، بل يتنازلون فقط عن القدر اللازم لكفالة الصالح العام.. أما الغاية من هذا التعاقد فهي تنظيم و حماية كل ما يمتلكه الفرد من حقوق طبيعية تتعلق بحياته و حريته و ملكيته ضد الأخطار الخارجية والداخلية.
بمعنى أو بآخر أراد لوك تحديد السلطة السياسية وليس تمجيدها، فالسيادة لا تتجسد بأيّ شخص. السيادة هنا ترجع إلى الشعب وحده، ويشكل حق الأغلبية المبدأ الرئيسي في المجتمع، كما يجب أن تخضع إرادة الأقلية للإرادة العامة.
التعليقات مغلقة.