أفعال القلوب: تعليقها أو إلغاء عملها د.وجيهة السطل
أفعال القلوب: تعليقها أو إلغاء عملها د.وجيهة السطل
أفعال القلوب متصرفة وغير متصرفة . .
وأفعال القلوب المتصَرِّفة هي التي تختصُّ بالتعليق ، والإلغاء معًا.
وغير المتصَّرف منها لا تعليق فيه ولا إلغاء، وهما فعلان فقط (تعلَّمْ ،بمعنى اعلم وهَب بمعنى افترض)
تعريف التعليق :هو تَرْكُ العمل ووقف تأثير الناسخ على ركني الجملة الاسمية بعده لفظًا لا محلًا ؛ وذلك بسبب مانع له حقّ الصدارة،
فتكون الجملة بعده في موضع نصب على أنها سدت مسدّ المفعولين.
نحو: ( علمتُ لَلعلمُ نورٌ) فـالفعل علِمَ معلق عن العمل في مفعوليه بسبب لام الابتداء التي تصدرت الجملة الاسمية التي هي أصل المفعولين . والتعليق في اللفظ لا في المعنى ، لأنك لو عطفت على هذه الجملة مثلًا لجاز أن تعطف على محل مفعولي الفعل بالنصب فتقول : علمتُ لَلعلمُ نورُ والإيمانَ كذلك ، ويجوز الرفع فتقول: والإيمانُ كذلك.
والموانع التي تعطل عمل الفعل القلبي المتصرف،لفظًا لا محلًّا هي:
١- ( ما و إنْ و لا النافيات) نحو: – علمتُ ما زهيرٌ كسولٌ.
- ظننتُ إنْ فاطمةُ مهملةٌ.
- خِلتُ لا رجلَ سوءٍ موجودٌ بيننا.
- حسبتُ لا أسامةُ حاضرٌ ولا سعادُ.
- ومنه قوله تعالى: {لقد علمتَ ما هؤلاء ينطقون}الأنبياء /٦٥
٢- ( لام الابتداء) نحو:
- علمتُ لأخوك ناجحٌ .
- قوله تعالى: {ولقد علموا لَمَنِ اشتراهُ ما له في الآخرةِ من خَلاقٍ } البقرة :١٠٢
٣- ( لام القسم ) كقول الشاعر:
ولقد علمتُ لتأتيَنَّ منيتي
إنّ المنايا لا تطيشُ سِهامُها
٤- ( الاستفهام) سواء أ كان بالحرف كقوله تعالى: {وإنْ أدري أقريبٌ أم بعيدٌ ما توعدونَ}الأنبياء :١٠٩
أم بالاسم كقوله تعالى: {لِنعلمَ أيُّ الحزبينِ أحصى لِما لَبِثوا أَمَداً} الكهف :١٢
في وجه من وجوه إعراب( أيُّ ). ولا أميل إلى هذا الرأي، والقول بتعليق العمل في هذا الباب مع (أي )؛وأراها اسمًا موصولًا في محل نصب مفعول به.وقد ذكرت هذا بالتفصيل في منشور خاص بأي الموصولة المبنية.
وذكر بعضهم قوله تعالى:{ولَتَعلمُنَّ أيُّنا أشدُّ عذابًا وأبقى}طه:٧١
شاهدًا على التعليق. .وعدُّها استفهامية غير دقيق مع المعنى، وفيه تكلف يتضح حين نحاول التأويل ليُدرَكَ الاستفهام. ولتعلمُنَّ الجواب حين نسأل أيُّهم أشد عذابًا وأبقى. ولأن أسماء الاستفهام لها حق الصدارة ولا تختبئ في طيات الجملة. وعندي أن علم هنا بمعنى عرف،وأيهم اسم موصول مبني في محل نصب مفعول به. ولا تعليق لأي فعل عن العمل.
ويبقى التعليق ساريًا مع أسماء الاستفهام كما في قولنا : أعلمُ ما الحاقة؟ وأريد أن أعلمَ، من يقول الحقَّ؟
أماالإلغاء
فمعناه : تركُ عمل الناسخ ِ لفظًا ومحلًّا، بإبطال عمل الفعل القلبي الناصب للمبتدأ والخبر لمانع ما ، فيعودان مرفوعين على الابتداء والخبرية.
واختلف العلماء في أيِّ الأمرين أحسن الإلغاء ، أو الإعمال ؟
فجعلوا ذلك مرتبطًا بترتيب الفعل الناسخ مع معموليه.ورأوا أن كلّا من الإلغاء والإعمال جائز ،في جميع الحالات تقدم الناسخ على معموليه، وتوسطه ، وتأخره.ولكن هناك حالات يرجح فيها الإعمال ويكون أفصح .وأخرى يرجح فيها الإلغاء ويكون أفصح .
وذلك على التفصيل الآتي :
١- إذا توسَّط الناسخ بين المفعولين
ففيه قولان :
أ- الإلغاء ، والإعمال .
فإعمالها وإلغاؤها سيان ، تقول: وتقول: ( خليلٌ ظننتُ مجتهدٌ ) على الإهمال ..
ب- وتقول : خليلًا ظننتُ مجتهدًا) على الإعمال.
والإعمال أقوى وأفصح من الإلغاء.
٢- إذا تأخرت أفعال القلوب المتصرفة عن مفعوليها
فالإلغاء والإعمال جائزان.
- إذا تأخر الفعل الناسخ عنهما معًا ، نحو : ( خالدٌ كريمٌ ظننتُ) فـ ( خالد و كريم ) مبتدأ وخبر ،و الفعل ظنّ ملغًى.ويجوزخالدً كريمًا ظننتُ.ولكن الإلغاء أقوى ،بسبب تأخرالفعل عن المعمولين ، فالتأخر علامة من علامات ضعف الفعل الذي من حقه أن يعمل فيما بعده في الأصل.
إذًا منطقيًّا الإلغاء أحسن.
والقول بأن الإلغاء فيما تقدم معمولاه جائز لا واجب هو مذهب الجمهور، . وذهب الأخفش إلى أن الإلغاء واجب .
♡♡وذكر بعض المحققين أنّ للإلغاء في هذا الباب ثلاثة أحكام ، هي :
١- وجوب الإلغاء ، وله موضعان :
أ- أن يكون الناسخ مصدرًا متأخرًا، نحو : عمرٌو مُسافرٌ ظَنَّي. فلا عمل هنا؛ لأنّ المصدر لا يعمل متأخرًا.
ب- أن يتقدّم المعمول وتقترن به أداة تستوجب الصدارة،نحو: لزيدٌ قائم ظننتُ.
٢- امتناع الإلغاء ، وله موضع واحد ، هو : أن يكون العامل منفيًّا ، نحو : زيدًا قائمًا لم أظنّ . ولا يجوز (هنا) الإلغاء ؛ فلا تقول : زيدٌ قائمٌ لم أظنّ ؛ لئلا يُظَنّ أنّ صدر الكلام مثبت .
٣- جواز الإلغاء ، والإعمال فيما عدا ما سبق .
ويثبت للمضارع ، وغيره من التعليق ، والإلغاء ما ثبت للماضي ، نحو : أظنُّ لزيدٌ قائمٌ ، ونحو : زيدٌ أظنُّ قائمٌ ، وقائمًا أظن زيدًا .
٣- إذا تقدم الفعل الناسخ مفعوليه فالفصيح الكثير إعمالها، وعليه أكثر النحويين تقول: رأيتُ العلمَ نورًا، ويجوز إهمالها على قلة وضعف ؛لأنه مخالف لأصل عمل الأفعال في كونها تعمل في ما بعدها ،وتؤثر في الأسماء اللاحقة لها.
ونحو: ظننت زيدًا قائمًا ، ويمتنع الإلغاء عند البصريين، وجمهور العلماء، والإعمال واجب .
وأجاز الكوفيون والأخفش وغيره الإلغاء واستشهدوا
بقول الشاعر :
أَرْجُـو وَآمُلُ أَنْ تَدْنُو مَـوَدَّتُهَا وَمَا إِخَـالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْوِيـلُ
وقول الآخر :
كَذَاكَ أُدِّبْتُ حتَّى صَـارَ مِنْ خُلُقِي
أَنِّي وَجَدْتُ مِلاَكُ الشَّيمَةِ الأَدَبُ
وظاهر هذين البيتين أنّ ( إخال )و(وجدت ) قد أُلغيَ عملهما ،مع تقدمهما الذي يوجب إعمالهما . وتخريج ذلك عند البصريين في البيت الأول : أنّ مفعولها الأول ضمير الشأن محذوف ، والتقدير ( وما إخاله ) ومفعولها الثاني جملة (لدينا تنويل).
أماشاهد البيت الثاني : وجدتُ ملاكُ الشّيمِة الأدبُ .
فقد قال البصريون : هو إمّا من باب الإعمال على تقدير أنّ المفعول الأول ضمير الشأن محذوف ( أني وجدتُهُ ) والمفعول الثاني جملة (ملاكُ الشيمة الأدبُ ) وإمّا من باب التّعليق على تقدير دخول لام الابتداء على (مِلاك) والتقدير: أنّي وجدتُ لَمِلاكُ… .
. والكوفيون يرون كليهما من باب الإلغاء ، فلا حاجة إلى التأويل ،تحقيقًا لما اتفقوا عليه (عدم التأويل خير من التأويل )
ملحوظة : تجري أحكام الإلغاء والتعليق على المفعولين الثاني والثالث في الأفعال المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل، فنقول مثلًا في الإلغاء: ( سعيدٌ أعلمتُ هندًا قادمٌ ) إذ أُلغي عمل الفعل لتوسطه بين معموليه وهما( سعيد و قادم) ، أما المفعول الأول فلا تجري عليه أحكام الإلغاء أو التعليق لأنه مفعول غير حقيقي كما تقدم إيضاحه. ونقول في التعليق مثلًا: ( أعلمت هندًا لسعيدٌ
قادمٌ ، وأعلمتُ هندًا ما سعيدٌ متأخرٌ).
طال حديث التعليق والإلغاء والإعمال فاعذروني .ولكنه ضروري لتستقيم جملنا في الشعر وفي النثر
وأرجو أن أكون قد أوضحت، وللجميع تحياتي
التعليقات مغلقة.