ألحان الطيور بقلم الأديب / حسين صابر
إنها الخامسة صباحاً. وقد غادرتُ بيتي الى شاطئ النهر القريب، فشاهدت طيوراً قد بدأت تنشد ألحانها الشجية. كنت أظن أن طيور المدن خرساء، تفقد القدرة على النطق لكثرة ما تشهده من أهوال. لكن ها هي تُغني حيث يصمت هدير المدينة الجهنمي، الذي يشبه طنين سربٍ من الجراد الأسطوري. تستولي الطيور الآن على مسرح المدينة وتغني، فماذا تريد الطيور قوله يا ترى، وما الكلام الذي تغنيه بألحانها العذبة؟
جلستُ على أريكةٍ قديمةٍ متهالكة بالكاد حملتني، وتمعنت ملياً بذلك المشهد الأخّاذ وأنصت…. أنصتُ بعمقٍ وبكل جوارحي وليس بأذنيَ فقط، فسمعتها!… نعم سمعتها وهي تغرد بلغتنا وليس بلغة غريبة. فوجدتها لا تغني للشمس وهي في بداية شروقها، ولا للصباح الوليد ولا للسماء الذهبية، بل تغني لنا… نعم تغني للانسان الذي خُلِق كل هذا الكون مسخّراً لأجله…سأقول لكم ماذا قالت الطيور للانسان في غنائها الشجي ساعة الشروق الجميلة:
“يا بني آدم خُلقتَ مختلفاً عن بقية المخلوقات ومتفوقاً عليها، فقد وهبك الله عقلاً كبيراً وقلباً حنوناً وروحاً طاهرةً عذبة، ونفساً مطمئنةً هادئة… وقال لك عِش مع أخيك بسلام وحب وألفة. مالي أراك تسلك مسالك أخرى؟ فها أنت تبغض وتحارب. تقتل وتحسد وتؤذي، وتفعل كل ما من شأنه الخروج عن فطرتك التي فطرك الله عليها. قرون طويلة وأنت تسيء لبني جنسك. أما آن الآوان كي تتوقف عن كل ذلك؟ وتعود الى الحقيقة الساطعة كسطوع هذه الشمس المشرقة، والتي تبعث الضوء والدفئ لعالمنا… الحقيقة التي تقول: إن الانسان مخلوقٌ اجتماعي مجبول على العِشرة الطيبة مع الآخرين، والتعاون معهم ومحبتهم دونما بغضٍ أو كراهية… نعم قد تختلف معه، لكن لا تخرج القبح البغيض لحل ذلك الاختلاف”.
التعليقات مغلقة.