أمريكا الأخرى …د.أحمد دبيان
أمريكا الأخرى …د.أحمد دبيان
رغم احتفاء النظام البلوتوكراسى الحاكم فى امريكا بالرئيس الامريكى و التى لا زالت جريمة قتله لم يتم تحديد منفذيها حتى اليوم ، جون ف كنيدى وتسمية اكبر مطارات نيو يورك باسمه .
الا ان القليل هو ما نعلمه حول دوافع الإغتيال .
جون فيتزجرالد كنيدى
الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية .
والرئيس الكاثوليكى الوحيد فى بلد أغلبيتها من البروتستانت وكنائس العماد الجديد والتى تدعم الصهيونية بتأويل متطرف لمارتن لوثر مفاده ان اسرائيل بركة الشعوب وان الأمم بالنسبة لاسرائيل كالمرأة الكنعانية .
حين طلبت منه ان يشفى ابنتها والحت بعد ان تجاهلها فى البداية
:«لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب” (مت١٥: ٢٦).؟
فاجابته :
نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!” (مت ١٥: ٢٧).
فكان تاويل لوثر اننا كأمم مثل الكلاب بالنسبة لبنى إسرائيل ولعودة المسيح الذى لا يؤمن به اليهود يجب ان يعود فى قومه .
(عائلة كنيدى عائلة من اصل كاثوليكي إيرلندى ).
و ربما يكون اعترافه بالثورة اليمنية فى مطلع الستينيات ، وبفضل قنوات اتصاله المفتوحة مع مصر عبد الناصر وقتها .
وربما كان لمراسلاته مع ناصر وقتها ، ما جعله ينظر بنظرة شاملة محايدة للصراع العربى الاسرائيلىً، ما جعل أوراق الضغط الاسرائيلى واللوبى الصهيونى ، اكثر جموداً فى الحركة والتأثير والفاعلية وخصوصاً مع رئيس لا يحمل مذهبه الدينى ميراث بركة الشعوب الذى جعل به لوثر البروتستانية مطوقة العنق بالإصر الصهيونى .
الأهم فى اعتقادى ، وهو احد اهم أسباب اغتياله، هو علاقته وتبنيه لفكر مايكل هارينجتون .
فى مارس عام ١٩٦٢ نشر هارينجتون كتابه
The Other America
او أمريكا الأخرى ،
كان يتوقع حين نشره ان يوزع بضع آلاف نسخه على أقصى تقدير ، ما حدث فعليا ان الكتاب وزع ملايين النسخ .
اصبح كتاب امريكا الاخرى إنجيل الفقر ، والفقراء فى الولايات المتحدة الامريكية .
ولد مايكل هارينجتون فى سانت لويس بالولايات المتحدة الامريكية ، من عائلة إيرلندية كاثوليكية ايضاً .
تخرج من مدرسة الصليب المقدس ثم كلية القانون جامعة شيكاغو ، ثم انتقل بعدها الى مدينة نيويورك عام ١٩٤٩ ليصير كاتباً .
هناك انضم عام ١٩٥١ لمجموعة عمل خيرية كاثوليكية كمتطوع وهناك تعرف على الفقر والفقراء والمشردين .
بعد أعوام قليلة ترك الكنيسة الكاثوليكية وانضم لمجموعة اشتراكية هى بقايا الحزب الاشتراكى الامريكى ، والذى تلقى ضربات قاصمة فترة المكارثية .
خلف هارينجتون نورمان توماس رئيس الحزب الاشتراكى الامريكى كأكثر الأمريكيين اشتراكية فى الستينات .
لم تكن الاشتراكية أبداً ، طريقاً للسلطة فى امريكا ولكن استطاع هارينجتون وكتابه امريكا الاخرى مع جهود اشتراكيين آخرين مثل ديبس ونورمان توماس ، فى صنع الوعى الاجتماعى الامريكى.
كان كتاب امريكا الاخرى عظيم التأثير وكان مثل المانيفيستو الشيوعى ولكن للقيادة الواعية الممثلة فى كنيدى .
كان الامر ببساطة هو تسليط الضوء على حقيقة ان مجتمع الرأسمالية المتطرفة مجتمع مريض ، وان الفقر يضرب بعنف فى الطبقات الامريكية وان واحداً من كل اربعة امريكيين تحت خط الفقر ما يبلغ تعداده حوالى اربعين مليون امريكى وقتها .
كتب هارينجتون فى مقدمة امريكا الأخرى عام ١٩٦٢ ؛
( انهم ببساطة لا يتم تهميشهم او نسيانهم ، الأسوأ انهم غير مرئيين )
تبنى كنيدى رؤى هارينجتون وبرامجه فى الإصلاح الاجتماعى وان لم يسعفه القدر او بالأحرى كان لابد له ان يختفى .
تبنى جونسون دعائيا وهو المفتقد لشرعية الحضور والانتخاب بعد كنيدى والأكثر تورطاً فى مستنقع فيتنام برامج هارينجتون وسياساته الاجتماعية الاقتصادية فى محاولة لاكتساب الشعبية المفتقدة والاضطرابات التى صاحبت حرب فيتنام .
فى عام ٢٠١١ ذكر مركز الإحصاء الامريكى ان ٤٦ مليون امريكى يعيشون تحت خط الفقر بدخل سنوى اقل من ٢٢،٣١٤ دولار لعائلة من اربعة أفراد فى المتوسط .
أمريكا الأخرى لا زالت متواجده وبقوة والفقر والفقراء والمهمشون موجودون فى ظل الرأسمالية المتوحشة ، ويجئ الكورونا اليوم ليعرى ويكشف هذا التناقض بين الصورة المصدرة للحلم الأمريكى ، والواقع المرتبك فى التعامل مع الوباء .
الفقراء فى امريكا يتم عليهم التجارب الطبية بإذن أو بدون أو تحت ضغط العوز والحاجة .
عصر ما بعد الكورونا سيعرى هذا الحلم الذى تم تصديره على مدار عقود ليفضح هذا التقدم الطاغى المفتقد لمنظومة أخلاقية ما يعجل بانهيار حضارات التوحش والطغيان الإنسانى كما انهارت قبلها كل حضارات القوة الغاشمة .
التعليقات مغلقة.