أمواج الغيم …الحلقة الخامسة بقلم هيفاء البريجاوي
ما جعل للنهار بذاك اليوم إشراقة مختلفةحيث كان الطارق لتلك الحلقة الحديدية من جوف خشبها التوتي،،أنامل اشتاقت طقطقات دقاتها ما تزال محفورة بالذاكرة،، حاضرة بسواقي شرايينه الخشبية .
من الطارق؟
هكذا ردد أبو ماجد السؤال من شدة الصوت وتواتره
يفتح بغضب شديد لتتلاقى عيناه بمن طال الاشتياق لقياهما والامعان بتفاصيل ضلت سبيلها اختل به المسير وتقطعت الطرقات،ليعود بعد سنين أنهكته رحلة الأماني المفقودة ،يردد ماجد ماجد ،
آه يا بني ،،،طال بعناقه ليفرغ عتاب وشوق وحنين سنين أنساه لبرهة أن يسأله أين أسرتك،وخلفه أخاه محمدالأصغر،يعانقهما بشدة وعمق شوق للحظات جعلته يتوه أهو حلم أم حقيقة،،،
أما سراب ،سعادتها لم توصف ودموع تنهمر على وجنتيها بغزارة وهي تكفكفهما براحتيها .
عاد أشقاء روحها ليشاركوها نبضها المتربص سنين خوف لا تعلم سببه ولا وجهته،،،وبعد ساعات وهم يعيدون ذكريات كانت أجمل أعمارهم وصوت المدفأة ونورها يزيل مشاق تعبهم رويدا رويدا،،
اشتعلت نيران قلوبهم ،وكأنها تلتهم أحلام ظنوها الأجمل ،ليبدأ بالحوار ماجد .
أكيد يا أبي تتساءل سبب انقطاع أخباري عنكم طيلة السنوات الماضية ، وأين باقي أفراد أسرتي،كنت أخشى حزنك ولا أريدك تتألم عليّ لما حل بي، كنت أستمد عزيمتي بالمتابعة والإصرار على إتمام رحلتي،كنت لا أطيق أ ن أتراجع أو أشعر بالفشل بعدما دفعت ما دفعت من ثمن باهظ .
كم تمنيت أن ذاك الكابوس كان وهما وسرابا ،صدق من قال البحر غدار ،فقد التهمت أمواجه العاتية فلذة كبدي بين قروش مفترسة وطحالب متشعبة تجاوزت هدير روحي وآلامها ،هناك تصلبت شرايين عمري حينما تكسرت شراع المركب ،ولتهوي أشرعتنا بين أمانينا الزائفة ،وكثر من غرقوا أثنائها،ليكتب الله لناالنجاة أنا وزوجتي وطفلنا أحمد ،بعدما التهم الموج أشلاء أرواحنا مع غرق هاني ،بين جذوروأمواج غطت عرض البحر برعود شقت أبواب السماء غضب وأحلام بدأت تتلاشى مع صراخ وأنين حول المكان لبؤرة مدافن مائية موحشة ، لتتزاحم الصور كخيالات متراكمة ،وأنا أعيش حالة هذيان أفقدتني الوعي لأيام ،كانت أول فاجعة لن تطفئ غضب ولا لوعة اللوم والخوف من لحظات تثير جنوني .
نستسلم لأمر أصبح واقعا،وبعد مشوار ليس بسهل
كما صوروه لنا ،دخلنا عالما مختلفا ،،بهوائه وأرضه المغتربةعن عالمنا ،تربطهم قوانين توحد مسارهم اليومي، ،بدساتير تُملى عليهم.
أصررنا كما غيرنا على نتحمل ونتأقلم على عاداتهم وأنظمتهم ، على أمل وحلم اكتساب الجنسية التي تؤهلنا الانفتاح لعالم أغلق بواباته وأحكم حدوده بوجه أمانينا المسلوبة ،لنجدأنفسنامجبرين على خوض تلك المجابهة التي كلفتناحياتنا وحياة فلذات أكبادنا.
بحجة القوانين وعدم الالتزام بها ،أخذوا ابننا لتتولى رعايته جهة إجتماعية مجهولة عنا ،بعد إنذارات لنا بأننا غير مؤهلين بحسن تربيته،جراء صدام متكرربيني وبين زوجتي ،أودت بنا الى الانفصال.
بقيت أحاول استرجاع ومعرفة مكان ابني عبثا.
شعرت أنني بدأت بالانزلاق بمتاهات أكبر ليست من أخلاقنا ولا عاداتنا ،قررت العودة لحضن وطني وأهلي وناسي ،بما تبقى مني من ذاتي التي قاومت أن أحتفظ بها بينكم ،وبين جدارن وقلوب تشاركني فواجع آلام ألمت بي وأودت بي لهذا الحال.
تمزق قلب أبي ماجد حزنا لما آل بحال ابنه الأكبر
بعد انقطاع ظنه أنساه أصله وأهله ،استدار بنظرات خوف نحو محمد ابنه الأصغر ،ليخبره أنه تزوج بأجنبية على أمل أن يحصل على الجنسية ،لم يعلم عواقب ستتوالى عليه ،وهو يتابع تعديل شهادته ، يخبرهم أنه تعرف على روجينا هناك أحبها وتعلق بها ،تزوجا وأنجبت له بنتا،وحينما عدل شهادته والتحق بمشفى هناك، وأثناء دوامه بالمشفى شعر بدوار متكرر ،ليعلم أنه مصاب بورم ،أخبر روجينا ضرورة العودة لوطنه ليتم علاجه هناك بين أهله
وتكبر ابنتهما بفناء بيته حيث ذكريات طفولته
وعدته أن تلحق به مع روز كل فترة ،ولن تتخلى عنه ،ولربما يعدل عن قراره ،لكنه أصر أن يلحق ما فاته من عمر وما تبقى بين حواري الشام وشوارعها .
بين جذور تلك الشجرة الباسقة ،حاولت إقناعه بالبقاء وأن تمنعه أن يصطحب ابنته معه،يعلم أخاه ماجد بمرضه ،ليحزما أمر العودة ليخففا من أحزانهما ويتشاركا الوجع والاغتراب الروحي الذي أنهكهما ،علهما ينقذان ما تبقى من سنين غدر بهم الزمن ،ليحزما أمر العودة سويا،فكثر من صمم البقاء واعتاد الحياة هناك ،وما زال حلمهم يكبر وأمانيهم تأخذ مساحة كبيرة ترادف مسيرتهم على آمال عالقة تنتظر جواز السفر بلا هوية .
هكذا تابع ماجد،،لكن الكل يشتاق أرض الياسمين،
يشتاق الأمان والدفء ،ودموعه لم تبخل الانهمار على خيبات أمل وتقطع سبل ،استفاقت ذاته ليعودا لحضن أبيهما وحضن ذراعين تغفو بينهما أمانيهما وأوجاع يخفف من لوعتها ملح يغلف جراحهم
التعليقات مغلقة.