أنا القاضي …أنا الجلاد من قصص “احتار دليلي” الجزء الثاني
أنا القاضي …أنا الجلاد من قصص “احتار دليلي” الجزء الثاني
بقلم سنية ابو النصر
جاء القطار يهرول كالوحش الجائع ليفترس ضحيته… وترددت للحظة ان اسحب كفي… وارحم نفسي من الألم… ولكن سمعت أبي بمخيلتي… يؤذن للصلاة… الله أكبر الله أكبر… وهو يرمقني بنظرة تحسر …
شيخ الجامع الحامل كتاب الله الحريص علي إحياء سنة رسوله صلي الله عليه وسلم … يطأطئ رأسه أمام الناس خجلا من مجرد ذكر اسمي… يالها من وصمة عار تلتصق بك ياولدي لا يمحها إلا قطع دابرها …
تركت كفي علي شريط السكه الحديد ليقطع القطار مفصلها… ووليت جبيني للجانب الأخر مستسلما لهذا الأمر وأنا ارتعش من الخوف
أغمض عيني والدموع تنهال بلا رحمة …أجز علي أنيابي لهول الموقف… وأنا أقوي عزيمتي علي الصبر … بصوت مرتفع أناجي رب السماوات والأرض… يارب
… شعرت بروحي تنسحب من جسدي و تتمزق اشلائي … بترها القطار في لمح البصر… والقاها بعيدا عني…
كان الألم شديدا لا يطاق… لم أصدق أني قد فعلتها وتغلبت علي نفسي…
كفنت ساعدي بملابسي… وحملت يميني المقطوعه في قطعة من القماش وذهبت سريعا إلي والدي … ارن جرس الباب ودماء كفي تغرق ثيابي …
فتح وقد بدا علي ملامحه الهلع… وقبل ان يتنفس … سابقته انا الحديث… وانا امد يدي اليسري تحمل كفي المبتورة…وقلت لهعلي عجل: قطعت يدي حتي تسامحني ياأبي؛هلا ادخلتني البيت الأن …
لم يصدق مافعلته بنفسي واخذ يهرول كالمجنون يضرب كفا بكف… وهو يقول بانفعال غاضب
لا حول ولاقوةالابالله العلي العظيم… العوض عليك يارب… العوض عليك يارب…
خرجت أمي تلطم خدها وإخوتي يبكون…
ثم اخذني والدموع متحجرة في مقلتيه… يسابق الرياح الي الطبيب ليسعفني وهو يضمني بجوار قلبه يهرتل بكلمات العتاب واللوم … ياله من اشتياق لحضنك الدافئ… دفعت كفي ثمنا له … ظننت وقتها ان كل شئ قد انتهي… وتخلصت للأبد من تلك اللعنة … ولكن ليس بهذه السهولة تتخلص من اتساخات قديمة قد مرت عليها ازمان وأصبحت جزءا لا ينفصل من ملابسك…
مرت الأيام سريعاً… وانا أنعم بدفء الأسرة التي حرمت منها ليالي طويلة… وتحسنت علاقتي بأبي … ظننت ان كل شئ قد مر بسلام… ولكن دائماً تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن… هواتف أصدقائي لم تكف يوما… عن الوسوسة بفعلتها مرة اخري… كنت ارد عليهم بجملة واحدة…
لا لا لا… الحمد لله ربنا تاب علي
فيقولون ساخرين … يموت الزمار وإيده بتلعب… وانت عندك إيد تانية تتلف في حرير
ومعاك مفتاح لكل باب…
ثم يحكي عن الغنيمة الجديدة التي كلها خير… مال وذهب… وعن المرح واللهو والنساء…
اغلق الهاتف هربا من زنهم…ولا يغلق عقلي عن التفكير في الثراء … لقد اشتقت بالفعل للهو والمال… فأبي زاهد في الدنيا… زيادة عن اللزوم… ويقول دائماً…
راضي بعطية ربنا والحمد لله…
الحمد لله علي كل شئ… ولكن لو فكرت قليلا في حال البيت السيئ والجدران التي تأكلت والمياه التي تنفجر من كل ماسورة… وملابسكم القديمة التي تأكلت من كثرة الغسيل…
ماذا لو اجتهد قليلا واحسن من حالتنا الدنياوية… لن يغضب الله عنك إن فعلت ذلك…
اخاف ان اميل للهو مرة اخري…
وماذا لو فعلتها مرة أخيرة… لن يحدث شئ
ولكن يدي التي قطعتها ماذا عنها…
لا بأس فباب التوبة مفتوح وإن الله غفور رحيم …
اففففف لقد احتار دليلي بالفعل
ومالت نفسي الدنيئة لشهواتي… وفكرت بجدية في الأمر… وكنت احتاج لبعض المال لزوم المغامرة الجديدة…
وللحظ الحسن الذي دائماً في خدمتي… كان فرح أختي علي الأبواب… ومااحسن الفرص… النساء تلهون وترقصن وتغفلن عن حقائبهن والهواتف الملقاة علي المنضدة تناديني …
ولبيت النداء بالفعل فهو سحر لا استطيع مقاومته… واخذت الهواتف وبعض النقود… وفررت من الفرح ظنا مني انه لن يشعر بي أحد…
وذهبنا الي العجمي… وتلصصنا حتي اقتحمنا تلك الشقة اللي عليها العين… وكل شئ مر بهدوء وتقاسمنا المال والذهب… وعدت الي بيتي بعد ان اخفيت غنيمتي
وطرقت الأبواب…
وخرج أبي ثائرا ينهرني بأقبح الشتائم… ويلقني بالتهم فقد عرف الأمر
حلفت كذبا بالله حتي اتفادى غضبه… انا لا علاقة لي بما حدث…
فطار عقلة والقاني خارج البيت وهو يعلم آني كاذب… وهو يقول…
ديل الكلب عمره مايتعدل حتي لو علقوا فيه قالب… مش عايز اشوف وشك تاني… انت بالنسبالي مت… واغلق الباب في وجهي…
ياربي… ماذا فعلت بنفسي… لقد خسرت كل شئ مرة اخري بسبب كفي الوحيد اللعين … لا فائدة مني بالمرة…
استسلمت لأصدقائي وذهبنا نلهو ونمرح… ولكني كنت علي غير عادتي … لم أشعر بحلاوة المال والسعادة التي كنت ابغيها … كان دفء اسرتي احلى… نعم حقيقة عرفتها بعد فوات الاوان
تركتهم للهو… وذهبت للتسكع في الشوارع بلا غاية او هدى…
ندمت على فعلتي… وتمنيت ان اعود الي بيتي من جديد… وانا اعلم انه أصبح الأن مستحيلا استيطاني في مرة ثانية …
وانا أسير لتلك اليد الغبية… التي لا تستطيع ان تكف عن السرقة…
ولم كل هذة الحيرة…
الحل موجود ولا مفر منه … سوف أفعلها مرة ثانية…
التعليقات مغلقة.