أنا صائم بقلم مجدي محمد كمال
أمرٌ جلل وقع في تلك الساعات، الشمس دنت من الرؤوس،التي كساها الغُبار، الصخب شديد والكل في فزع رهيب.
وفي سيارة إسعاف،،أشعل السائق سيجارة!! فرماه زميله المُسعف بنظرة إستنكار محدثاً نفسه:
إذا بليتم فاستتروا.
الشارع ضيق جدًا،وهو المؤدي للحي القديم،،يطلقون آلة التنبيه الإسعافية المعهودة،، قابلهم أهل الحي يهرولون،، يفسحون لهم الطريق حتى وصلوا إلي كومة الركام يعتليها بعض الشباب، يرفعون ما استطاعت عليه سواعدهم من الردم الذي ينبشه الونش برفق،يصرخون:
مازال الشيخ حِمدان تحت الردم.
البيت عجوز أبكم كصاحبة لم يشتكِ تصدعه كما لم يشتكِ صاحبة الشيخ حمدان يوماً الوحدة، ظهرت فجوة فانسل الشباب منها علي مصابيح هواتفهم.
لحظات ترقب ثم علا تكبيرهم تحت الحطام ومن ثم،، ظهرت الأيادي ترفع الشيخ المخضب في دمائه، أسلموه للمسعفين فطلبوا زجاجة ماء سكبوها فوق رأسه ليتبينوا موضع الجرح الذي امتزج نزفه بالتراب، قدموا له ما تبقى من الماء ليشرب،، فأعرض بإشارة يغلق بها فمه.
إنطلقوا به إلي المستشفى،،يصاحبهم صراخ آلة تنبيههم ، حاول المسعف مرة أخرى ان يسقيه شربة ماء،،،فوضع يداً على فمه،،وأشار بالأخرى للسماء، شرب السائق ما تبقى منها، يجهر بها زميلة تلك المرة( يا أخي أتق الله،إحنا في نهار رمضان) الطريق مزدحم جدا والحركة بطيئة، إنكسرت الشمس وأوشك المغيب وتسربت أصوات التواشيح العذبة، والقرآن صدح في كل مكان،،يحاولون الوصول إلي المستشفى لإسعاف الرجل، تعلقت عين الشيخ بزجاجة الماء الفارغة، فنظر له المسعف وصاح قائلاً :
(إنت صايم ياحاج؟)
أشار بعينه مؤكداً.
قطع الآذان تخاطب عيونهم، طرق المُسعف للسائق على النافذة الفاصلة بينهم.
توقف علي أثرها السائق.
هرول المسعف، يبحث عن ماء ليسقي الشيخ، وعاد مسرعاً يتقطر عرقاً ممسكاً بزجاجة الماء.
دخل إلى السيارة،،وقال:
إشرب ياعمي الشيخ فقد أُذن للمغرب،تحمَل كدنا نصل إلي المستشفى لإسعافك،أفطر ياعم الشيخ…..عمي الشيخ؟!!!!!
كان قد آثر الإفطار في السماء.
التعليقات مغلقة.