أنا هُنا قصة بقلم محمد كمال سالم
شُق صدري بسكين قاس، نفذت الطعنة إلى ظهري، تيقظت من شدة الألم، تلفّتُ حولي، لا أحد هنا غيري، أنا وحدي منذ زمن بعيد، رفعت كلتا يديَ لأعلى مستنشقا، أتوسل بعض الهواء لرئتيَّ وقد فرغت من هوائها.
ألم قاتل لم يمر بي من قبل، إنها ذبحة صدرية، نعم، الألم يدل على وصفها، بسملت وحوقلت، خوفا من لقاء قد يكون قد اقترب، هل أطلب النجدة؟
لااا، خرجت من الغرفة إلى فضاء البيت، أستنجد ببعض الإسعافات، كنت قد سمعت عنها صدفة من قبل.
ذهب ألم الطعنة، وظل أثرها باقيا في صدري، ألقيت نفسي على مقعد قريب، أستنشق الهواء بعمق، وأذرفه بأنات، على شفا الحياة ومضت حياتي بتفاصيلها بخيالي، تجلت حوادث قديمة اتتني بلحظة من بعيد، آمنت بلحظة الحساب ولا ريب…
أذكر أنها سافرت مرة، كنت لا أستطيع التواصل معها، ولما غلبني الشوق إليها، ذهبت لمكان لقائنا التليد فوجدتها هناك!
تعانقت راحتانا، وتولت مقلتانا عنا شرح كل الوجد، صَهَرَ الحب روحينا فصارت واحدة، ما عاد يعوزها كلام، تتعانق روحانا محلقة كلما التقينا، غير مرة سقطت أنا إلى الأرض، بينما حلقت هي لتتجاوز السماء.
هممت في ظلام بهيم كي أشعل المصباح، فقد انتصف الليل منذ ساعات، داهمتني بطعنة جديدة اغتصبت دمعة ثقيلة من مقلتيّ.
تحاملت، بدلت ثيابي وتسللت إلى الشارع، قاصدا أي مشفى طلبا للمساعدة…لكن وجدتني بعيدا عن أي مشفى، مكان قديم تركت فيه بعضي، لم أزره منذ زمن بعيد، هو مكاني التليد، سبقتني أيامي إليه، لست أدري كيف جئت إلى هنا، وما عدت أدري في أي حقبة من عمري أنا.
انسابت خطواتي كأنني كنت هنا أمس، طالت يد الإهمال كل شيء، حشيشة الأرض يابسة، كأنها أشواك تتحطم تحت قدميّ، أرائك مازالت مكانها إلا من عوارضها الخشبية، كنا نرتاح عليها دائما، شَحت قناديل الشارع الطويل وبُهت ضوؤها، بدت في نصف الظلام كغريب تائه في وطن خرِب، غربة تغلف كل شيء هنا إلا أنا، وكأني قد عدت إلى موطني.
تنفست نسيما طريا لفح وجنتي وسكن صدري، ناجيتها، فقد كانت يوما هنا معي، هَمسَت في أذني كنغمة عميقة تتردد منذ الِقدم:
_ لمَ تأخرت؟
نعم، هذا هو صوتها الشجي الذي كان لا يؤنسني سواه، ضحكتها العذبة المبتورة في خجل، تهيم في فضاء روحي، يخلو العالم من حولي، فلا يبقى في الوجود سوانا
لم أستطع إجابتها، ملأت صدري بالهواء ورحت أغنيها أغنية كانت تحبها، رقصت في نشوة فوق عبراتي، طفقنا حول صفصافة كبيرة تعرف حكايتنا القديمة، أخذتني من يدي، مرت بأناملي على نحت عميق، قلب كبير يخترقه سهم، حروف كنا كتبناها؛ أنا هنا.
التعليقات مغلقة.