أنوار اللحظة
محمد مندور
…….
هو ذاك الملاك الذي يطوف على القلوب مغردا فتحييه بحنو، هو ذاك المخلص السائر على خطى الصادقين، هو ذاك الناسك الذي تربى بين الساجدين…. أما الشيطان فيهيئ له أنه هو ذلك الهاوي المبغوض، أنه هو ذلك الحائر في ربوع التيه، أنه هو ذلك الغافل الذي لا يتعظ، ذنوبه لا تراها العيون وعين الله تعرفها.
برغم النقيضين يعي أن الله أكبر والحياة أصغر، أن الذنب ذل والحساب أصعب، أن الرحمة أوسع والعذاب أشد… من نور القرب هي لحظة، استمسكَ فيها بسجدة، عاش بها، قام لأجلها، سعى إليها، قتَل الأرق في سبيلها، إنه اللسان إنه الوجود إنها الإرادة فإذا أراد بلغ مهما تابع من الفحش وما يصنع… أعوام وهو سجين مهانة، مسلوب كرامة، عبد وما يعبد غير هوى، عبد وما يعبد غير شهوة مضلة… يلهج بأمل، يقترب برغبة، يناجي بتذلل، تسحّر بدعوة: إنني هنا وأنت هناك، بيني وبينك ما تعلم من مسافة، ولكنى أراك وتراني، أراك بقلبي ولا شك من رؤيتك، تبصرني وتسمع آلامي، ومن إليه أذهب أو لغيره أميل، قال بهمس يسمعه لربه: أعلم النهاية، أعلم أن القدْر لا حد له، والوصف مذكور ولو ذكرت ما وفيت، تحسس ما بي، أحتاجك، مفقود، أريد الآخرة وتتزين دنياي، أنكرها وتجرني قدماي، أبكي بحرقة في الخاتمة وأعيد المشهد لأندم، بعد كل عثرة غوث، في كل راحة عودة، أمنافق، أم ذلك جرأة، أم غفلة، أم أني سقيم معذور؟ الحول قد أضعفه السخط، والضيق يطبق على صدري، أفقرني الذنب، أتعبني السير إليه، ماطلته، دوما تنقذي، ألسترك لي حاجة تخبئها؟ أم يوم الكشف قريب؟ أخشى من ذلك… لا، لا ترفع عني غطاءك، أتمم سترك، لا تخذلني، أحبك رغم العصيان، انقلني من ذلك إلى ذاك، هل تسمعني؟ إني هنا وأنت هناك، رغم المسافة والله أراك.
التعليقات مغلقة.