أوان التوت… قصة لمحمد كمال سالم
كان يحتاجُ زمنا طويلا ، حتي يوقن أنه لم يعد له مكانٌ بينهم ، بعد أن كان سر حياتِهم ، سببَ رزقِهم وأمانِهم .
لم يحملْ معه شيئًا من زادٍ ، من ذكري ، من أسفٍ أو ندمٍ حين غادرَهم ، وحمدَ اللهَ أنهم نسوا هذا البيتَ الصغير ، البيتَ الأخير ، والمأوى الباقي .
سار طويلًا إلي أن وصلَ إليه ، وأرسلَ في طلبِ الخفير ( ماهر ) في حين جلسَ أسفلَ شجرةِ التوتِ القديمةِ وتذكَّر، حينَ أتى إلي هنا يحملها صغيرةً، يغرسها هنا حينَ كان ينشئ هذا البستانَ الكبيرَ هناك حيث غادرَهم.
لم ينس نصيبَ هذا البيتَ الصغير الخاص بالعائلة من تلك الغرسةِ الطيبة.
شعُر بثمراتِ التوتِ الساقطةِ منها تحتَ قدميه المُجهدتين أثر طولِ المسافة إلي هنا .
أتى ماهر مسرعًا : طاهر باشا ، اهلا بك سيدي،، كيف أتيتَ هنا الآن وحدَك ، وأين الأولاد ؟
لماذا لمْ يأتِ بك كريم بك ، كما هي العادة والوقت قد تأخرَ ؟
طاهر : افتح لي باب هذا البيت يا ماهر ، ودعني مع أهلي وحدي .
الخفير ماهر: ولكن الليل سيدي ، هل ستقضي الليلةَ هنا وحدك؟ !!
طاهر : افعل ما أمرتُك .
أطاعَ ماهر سيدَه صاغرًا ، بيدَ أن دهشته وفضوله أبَتا عليه أن يذهب بعيدًا ، جلس أمام البيت غيرَ بعيدٍ عن سيده،، لعله يحتاج إليه في سكونِ هذا الليلِ البهيم ،
لم يمضِ كثيرٌ من الوقت،، حتي سمع في دهشة !! إستقبال أهل طاهر باشا له ، يقبلون عليه واحدًا تلوَ الآخر من رجالٍ ونساء ، يستقبلونه في ترحابٍ وبكاء ، وبعضهم من راح يعنّفه علي جحودِه ،وغيابِه ونسيانِه لهم .
راح طاهر باشا يحكي لعائلته وهو ينتحبُ : تركتُ لهم التصرفَ في كلِ شئ ، ملّكتهم أمري ، فهم لحمي وفلذة كبدي، تحمَّلتُ عقوقَهم ، إيثارَ زوجاتِهم ، وأزواجِهن عليّ، لعقتُ إهمالهم لي، وكأنني قد فارقتُ الحياة ، ولم أعد بينهم ، تحملت كلَ هذا،، إلي أن جاء أوان التوت ، وجاء اهل الله يأخذون نصيبَهم منه ،، ومن باقي الثمرات كما اعتادوا ، ولكنهم منعوهم نصيبهم من الحصاد ، ولما لجأوا اليّ وجدتني عاجزًا عن نصرتِهم،!!
عندها وجدتني كأعجاز نخل خاوية.
لم يعد لوجودي حاجةٌ بينهم تركتهم وأتيتُ إليكم ، فلا تكونوا في قسوتهم واقبلوني.
راح الخفير ماهر في دهشة غامرة!!!!،
لا ينبغي لسكان هذا المكان أن يتكلموا،وما أنا بنائم؟!!
أو لعلي كذلك وكنت أحلم،
خفتت الأصواتُ واختفت، مع أولِ ضوءٍ للنهار ، فتح الخفير ماهر الباب
ليطمئنَ علي سيده ، فوجده ساكنًا في مكانه منذ ليلة أمس،، وقد فارق الحياة!!
التعليقات مغلقة.