أول الخلفاء الراشدين أبو بكر الصديق..بقلم محمد الدكروري
أول الخلفاء الراشدين أبو بكر الصديق
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي ، وقيل عبد الله بن أبي قُحافة التَّيمي القُرشي ، وقيل أنه كانت أم أبي بكر لا يعيش لها ولد ، فلما ولدته استقبلت به البيت ، فقالت : اللهم إن هذا عتيقك من الموت ، فهبه لي ، وقيل غير ذلك ، ولُقّب بـ ” الصدّيق ” لأنه صدّق النبي صلى الله عليه وسلم ، وبالغ في تصديقه كما في صبيحة الإسراء وقد قيل له إن صاحبك يزعم أنه أُسري به ، فقال : إن كان قال فقد صدق ، وقد سماه الله صديقا .
وأبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، له القدح المعلى عندما يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكيف لا يكون كذلك والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة يثني على أبي بكر، ويذكر انتفاعه عليه الصلاة والسلام وانتفاع الإسلام بمال أبي بكر، وصحبة أبي بكر، فكان صلى الله عليه وسلم-يقول: “ما نفعني أحد كما نفعني أبو بكر، وما امتنَّ عليَّ أحدٌ بماله وصحبته كما امتنَّ عليَّ أبو بكر، وأبو بكر رضي الله تعالى عنه يخفض رأسه ويبكي .
وقال الله سبحانه وتعالى : ( وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) وجاء في تفسيرها : الذي جاء بالصدق هو النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، والذي صدّق به هو أبو بكر رضي الله عنه ، ولُقّب بـ ” الصدِّيق ” لأنه أول من صدّق وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من الرجال ، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم ” الصدّيق ” .
وروى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أُحداً وأبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم فقال : اثبت أُحد ، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ، وكان أبو بكر رضي الله عنه يُسمى ” الأوّاه ” لرأفته ، وكان أبو بكر رضي الله عنه أبيض نحيفاً ، خفيف العارضين ، معروق الوجه ، ناتئ الجبهة ، وكان يخضب بالحناء والكَتَم .
وكان رجلاً اسيفاً أي رقيق القلب رحيماً .
وكان أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه من أوائل الذين أسلموا، بل هو أول من أسلم من الرجال، كما أن خديجة رضي الله تعالى عنها هي أول من أسلمت من الناس، وأن عليَّاً رضي الله عنه وكان غلاما صغيراً لما جاء بالإسلام هو أول من أسلم من الغلمان.
وأسلم أبو بكر فكان شعلة يقتدى بها في الدعوة إلى الخير، وتعبيد الناس لرب العالمين، حتى أسلم على يده في مكة وحدها قبل أن يهاجر إلى المدينة أكثر من ثلاثين صحابي، ستة منهم من العشرة المبشرين بالجنة ، فانظر إلى نشاطه، انظر إلى حرصه، انظر إلى احتراق قلبه في سبيل أن يدعو إلى الإسلام ، وكان أبو بكر محبا للنبي عليه الصلاة والسلام، معظما للدين، باذلا لجهده وماله في سبيل أن يحيي الله تعالى راية الإسلام، وأن يرفعها.
وما حاز الفضائل رجل كما حازها أبو بكر رضي الله عنه ، فهو أفضل هذه الأمة بعد نبيها محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن عمر رضي الله عنهما : كنا نخيّر بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فنخيّر أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم . رواه البخاري .
وروى البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما صاحبكم فقد غامر . وقال : إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء ، فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ ، فأقبلت إليك فقال : يغفر الله لك يا أبا بكر ( ثلاثا ) ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثَـمّ أبو بكر ؟
فقالوا : لا ، فأتى إلى النبي فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعّر ، حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم ( مرتين ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت ، وقال أبو بكر : صَدَق ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركو لي صاحبي ( مرتين ) فما أوذي بعدها .
فقد سبق إلى الإيمان ، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وصدّقه ، واستمر معه في مكة طول إقامته رغم ما تعرّض له من الأذى ، ورافقه في الهجرة ، وهو ثاني اثنين في الغار مع نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الله سبحانه وتعالى : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) .
وقال السهيلي : ألا ترى كيف قال : لا تحزن ولم يقل لا تخف ؟ لأن حزنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم شغله عن خوفه على نفسه ، وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدّثه قال : نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه . فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما .
ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل الغار دخل قبله لينظر في الغار لئلا يُصيب النبي صلى الله عليه وسلم شيء ، ولما سارا في طريق الهجرة كان يمشي حينا أمام النبي صلى الله عليه وسلم وحينا خلفه وحينا عن يمينه وحينا عن شماله ، ولذا لما ذكر رجال على عهد عمر رضي الله عنه فكأنهم فضّـلوا عمر على أبي بكر رضي الله عنهما ، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فقال : والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر ، وليوم من أبي بكر خير من آل عمر ، لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لينطلق إلى الغار ومعه أبو بكر ، فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه ، حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال : يا أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي ؟ فقال : يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك ، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك . فقال :يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني ؟ قال : نعم والذي بعثك بالحق ما كانت لتكون من مُلمّة إلا أن تكون بي دونك ، فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر : مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الجحرة ، فدخل واستبرأ ، قم قال : انزل يا رسول الله ، فنزل . فقال عمر : والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر . رواه الحاكم .
ومن أعظم أعماله سبقه إلى الإسلام وهجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وثباته يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن أعماله قبل الهجرة أنه أعتق سبعة كلهم يُعذّب في الله ، وهم : بلال بن أبي رباح ، وعامر بن فهيرة ، وزنيرة ، والنهدية وابنتها ، وجارية بني المؤمل ، وأم عُبيس ، ومن أعظم أعماله التي قام بها بعد تولّيه الخلافة حرب المرتدين .
وقد كان رجلا رحيما رقيقاً ولكنه في ذلك الموقف ، في موقف حرب المرتدين كان أصلب وأشدّ من عمر رضي الله عنه الذي عُرِف بالصلابة في الرأي والشدّة في ذات الله
وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم واستُخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر : يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمِرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ؟
وقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر : فو الله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق .
ومن فضائله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذه أخـاً له ، فروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال : إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله . قال : فبكى أبو بكر ، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير ، وكان أبو بكر أعلمنا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن مِن أمَنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سُـدّ إلا باب أبي بكر ، وقد زكّـاه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة . قال أبو بكر : إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك لست تصنع ذلك خيلاء . رواه البخاري .
ومن فضائله رضي الله عنه أنه يُدعى من أبواب الجنة كلها ، قال عليه الصلاة والسلام : من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دُعي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الصيام وباب الريان . فقال أبو بكر : ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يُدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر . رواه البخاري ومسلم .
ولما وقع ما وقع من الاتهام للصدِّيقة بنت الصديق أُمنا جميعا عائشة رضي الله عنها ، لما اتهمها المنافقون في قصة الإفك، وانتشر الخبر، وتناقله بعض الناس، كان من ضمن اللذين تناقلوه ونشروه رجل من الصحابة اسمه مسطح، وكان فقيراً معدما، لكنه كان قريبا من أبي بكر نسبا، فكان أبو بكر ينفق عليه تباعا، ينفق عليه ويرسل إليه المال، فإذا بهذا الرجل يكافئ أبا بكر بأن يكون ممن ينشرون خبر الإفك عن ابنة أبي بكر ، أنفق عليك وتتكلم في عرضي؟ أنفق عليك من حُر مالي ثم لا تجد شيئا تتكلم به عليَّ إلا ابنتي .
فلما أنزل الله تعالى براءة عائشة في القرآن ، وجعلت الآيات تتتابع في براءة أمنا زوجة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، الصدِّيقة بنت الصديق، ثم جمع النبي صلى الله عليه وسلم الذين افتروا ثم جلدهم حد القذف ، فلما رأى أبو بكر أن مسطحناً كافأه على إنفاقه بأن تكلم عن ابنته واتهمها بالإفك، توقف عن الإنفاق عليه، قال: والله لا أنفق عليك بعد اليوم أبداً؛ فأنزل الله تعالى قوله (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) سورة النور .
سامِـحْهُ يا أبا بكر ، اُعْفُ عنه يا أبا بكر ، فكأنك بأبي بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو عليه هذه الآيات، كأنك به وهو الأسير الرقيق ينتفض باكيا وقد خفض رأسه والنبي عليه الصلاة والسلام وهو يتلو عليه هذه الآيات ، فجعل أبوبكر يبكي ويقول: بلى! أُحِبُّ. بلى! أحب، يعني أحب أن يغفر الله لي؛ أنا لماذا تركت بلدي؟ هل ذلك إلا طلباً لهذه المغفرة؟ أنا لماذا أنفقت مالي؟ أليس إلا طلبا لهذه المغفرة؟ أنا لماذا جاهدت في سبيل الله؟ أليس ذلك إلا طلباً لهذه المغفرة؟
أنا لماذا اشتريت بلالا وعامراً وزنيرة وغيرهم، أليس ذلك إلا طلباً لهذه المغفرة؟ أنا لماذا صبرت على أذى الكافرين؟ أليس ذلك إلا طلباً لهذه المغفرة؟ آتي الآن وأضيعه بقرار؟ كلا! قال: بلى! أُحِبُّ أن يغفر الله لي. بلى أحب أن يغفر الله لي ، ثم يأتي بقديمه إلى بيت مسطح الذي تكلم لسانه في عائشة رضي الله عنها، وتكلم في عرضها، ويخرج من حر ماله ويعطيه لمسطح .
ومن فضائله رضي الله عنه أن وصفه رجل المشركين بمثل ما وصفت خديجة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما ابتلي المسلمون في مكة واشتد البلاء خرج أبو بكر مهاجراً قِبل الحبشة حتى إذا بلغ بَرْك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارَة ، فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي . قال ابن الدغنة : إن مثلك لا يخرج ولا يخرج فإنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكَلّ وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ، وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلادك .
فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم : إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج ، أتُخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة : مُر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به ، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره .
ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلاً بكّاءً لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له : إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلاّ أن يعلن ذلك فَسَلْهُ أن يرد إليك ذمتك فإنا كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان .
وقالت عائشة رضى الله عنها ، فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال : قد علمت الذي عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له قال أبو بكر : إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله . رواه البخاري .
وقد استمرَّتْ فترة خلافة أبي بكر الصديق في المسلمين قرابة سنتين وثلاثة أشهر تقريبًا، ففي شهر جمادى الآخرة من السنة الثالثة عشرة للهجرة مرض أبو بكر الصديق مرضَ الموت بعد فترةٍ وجيزةٍ من استلامه للخلافة، وقد وردَت في أسباب وفاة أبي بكر الصديق العديد من الروايات واختلف أصحاب السيرة في سبب وفاته -رضي الله عنه-، ومنهم من قال أنَّ السمَّ هو سبب وفاة أبي بكر الصديق .
وروى ابن شهاب أنَّ الخليفة أبا بكر الصديق والطبيب المعروف الحارث بن كلدة قد أكلا شيئًا كان قد أهديَ إليهما، لكنَّ الحارث انتبه لذلك، فقال لأبي بكر الصديق: “ارفع يدكَ يا خليفةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله إنَّ فيها لسمُّ سنةٍ، وأنا وأنتَ نموتُ في يومٍ واحد، فرفعَ يده، فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يومٍ واحدٍ عند انقضاء السنة” .
وقيل كان سببَ موتِ أبي بكر وفاةُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم كمد مازال جسده يضوي حتى مات” أي منذُ وفاة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أصابَ أبو بكر الصديق كمدٌ وضيقٌ ومازال جسمه ينقصُ ويضعفُ حتى مات وكان ذلك من أسباب وفاة أبي بكر الصديق .
وعندما مرضَ أبو بكر الصديق واشتدَّ عليه المرض كثيرًا جمع الناس إليه ثمَّ قال لهم: “إنَّه قد نزلَ بي ما قد ترون، ولا أظنُّني إلا ميتًا لما بي، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي وحلَّ عنكم عقدتي، وردَّ عليكم أمركم، فأمِّروا عليكم من أحببتم، فإنَّكم إن أمَّرتم في حياةٍ مني كان أجدر أن لا تختلفوا بعدي”، فتشاور صحابة رسول الله فيما بينهم، ثمَّ رجعُوا إلى أبي بكرٍ الصديق .
فقالوا: “رأيُنا يا خليفة رسول الله رأيُك”، فقال: “فأمهلونِي حتَّى أنظر لله ولدينه ولعباده”، ثمَّ وقع اختياره بعد أن استشار بعضََّ الصحابة على سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكتبَ عهدًا مكتوبًا يُقرأُ على النَّاس في ذلك ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان أوَّل بدء مرض أبي بكر أنَّه اغتسلَ يوم الإثنين لسبعٍٍ خلونَ من جمادى الآخرة، وكان يومًا باردًا، فحمَّ خمسة عشر يومًا لا يخرج إلى الصلاة .
وتوفي ليلة الثلاثاء لثمانٍ بقينَ من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، وله ثلاث وستون سنة”، وقبل وفاة أبي بكر الصديق استمرَّ مرضُه في الحمَّى التي أصابته خمسة عشر يومًا، إلى أن وافته المنيَّة يوم الإثنين ليلةَ الثلاثاء الموافق للثاني والعشرين من شهر جمادى الآخرة في العام 13 للهجرة وعمره فيذلك الوقت ثلاث وستون سنة رضي الله عنه .
التعليقات مغلقة.