أول العارفين بقلم محمود حمدون
===
يقول ” عبد العال متولي ” في رسالته ” الاليكترونية” التي أرسلها منتصف ليل أمس لمئات من أصدقائه وأنا واحد منهم : ” سمعت كثيرًا عن تلك الرجفة التي تأخذ بالجسد عند حدوث الزلزال , لكنّي لم أختبرها من قبل , لكم سخرت ممن يقولون بوجودها .
حتى وقعت الحادثة تلك التي وصلت لأسماعكم بعض من أطرافها , فأنا وأعوذ بالله من أنا والأنانية , مسالم , لا يعنيني الزمن بتقلّباته , ولم أقبل إلاّ على ما يجنّبني الأسى والهم , فقد كُفيت منهم حتى تشرّب جسمي بهما , لكنّي أقول لكم أن هزة الصدمة قد أحدثت فوق الوجع والألم , صدعًا كبيرًا , لا أظن أنه سيلتئم ..”
و” متولي ” رجل من زمن قديم لا نراه الآن إلاّ على شاشات التلفاز , وأفلام عقدي الأربعينات والخمسينات من القرن الفائت , وهو بالفعل بقايا بشرية لإنسان عاش على الفطرة ولم يعد قائمًا بيننا.
فلمّا وصلتني رسالته وللصدق عندما انتبهت لها وقرأتها , وجدتني ألتمس له العذر , وكيف لا! وهو شخص غُبن كثيرًا بحياته , عزونا ذلك لسوء تصرفه أو لهوى وميل لديه يوقع به في النوائب , وكم وبّخته وغيري وطالبناه مرارًا بتغيير نمط حياته وطريقة عيشه , فكان يكتفي بأن يضع أصابعه في أذنيه ويولي عنقه وينظر بعيدًا ويلوك بين شدقيه عبارة وحيدة : سآوي يومًا ما لجبل يعصمني من الناس.
أفقت من رسالته , أحسست بتأنيب ضمير وقلّما يحدث ذلك ليّ , وصحت : مواساته ضروره , معرفة ما أصابه واجب عليّ , أسرعت للهاتف , اتصلت به بعد أن أزلت الغبار عن رقمه من قائمة الأسماء, فآخر اتصال بيننا منذ سنوات عديدة , أعلم أنه يفتح الخط ولا يبادر بالكلام , طبيعة حذرة جُبل عليها , لذا واريت آيات الترحيب التي تقال قبيل المكالمة وعرجت على صُلب الموضوع: مالك يا ” متولي ” قرأت رسالتك !! غامضة بعض الشيء , تثير الحيرة كعهدي بك , ماذا حدث ؟ لن أغلق الخط حتى أعرف ما أصابك ؟!
ما زاد من حيرتي حين قال: سويعات تأرجحت فيها بين الرضاء والسخط , ذهبت وكليّ أمل أن أقف على عتبة الرجاء , لكن عُدت صفر اليدين .
فسألته : لمَ ذهبت هناك ؟ نعرف وأنت أول العارفين أن الطريق وعر , الحر شديد ,ضاقت الصدور فلم يعد للغفران بيننا مكان , وقد أصابنا الهرم ولم نعد كما كنّا من قبل , تركنا وراءنا فتوة الشباب.
قال وهو يغلق الخط : ما ذهبت إلاّ بدعوة وما رجعت إلاّ بخيبة .
التعليقات مغلقة.