أيتها الاقدار
هيفاء البريجاوي
ما أربكني واختلج خفقات قلبي التي تخطت شريا ن محبرة قلمي ،،،ووالدة مريم توبخها بشدة ،وهي ترتب المواد الغذائية على رفوف تساقطت أرضا،حينما حاولت مريم ابنة العاشرة التقاط إحداها ،بنبرات صاخبة ،وغضب شديد ،،،
ومريم بوجه قمري، ووجنتين محمرتين تنظر أرضاً وظفيرها الشقراء تكاد تلامس الأرض،، كبتور ذهب متطايرة بشريطة سوداء، وفستانها الوردي .
لتسلب مني طفولتها البريئة كل حواسي ،،
اقتربت منهما ،استدارت نحوي، وأنا أحاول أخفف من حدة غضبها ،،وأرتب معها الأكياس ،،،،رقتها وصوتها الحنون وانعكاس ملامحها أوحت لي بشخصية غير تلك التي سمعت ،،،ونحن نخرج المكان ،،،،،دعوتها بيتي نقضي يوم العطلة سويا .
ترافقنا إلى منزلي وبعد الغذاء ،،والأولاد يلعبون ،،،
ونحن نتناول الشاي على شرفة المنزل ،،،،
توجه لي عبارات شكر ومودة ،بتلك الملامح التي قرأتها بها ،،،،لتنهمر دموعها بغزارة ،،،ضممتها وحاولت أخفف من أنين تلك الأنفاس المتهافتة ،،،،
أصرت عليّ حينما علمت أنني كاتبة أن أكتب قصتها ،،،لربما يتغير شيء أو تتبدل معالم تسحق أجمل ما في الوجود البشري إنسانيته ،،،لنزيف سببه فئة ممن هم بلسم الحياة ،،تلك الأيدي التي لبست أكف الأمان لتبتر أي ألم ،،،وتفرغ تلك الأوجاع التي داهمتها كل أوصال الساعات ،وعقارب تطارد الوقت للمكوث بين صلبان تحجرت وأقفلت أبواب صمت أجراس الأمان أمام ضمير ميت دفعت ثمنه عمرها ،،،لطبيب تناسى يمين أقسمه ،،،ولواء حمله على عاتقه بأدوات رغم صلابتها ،بقلبه النبيل وعلمه الرزين ليبتر تلك الآلام ويحول دموع الألم ،لدموع فرح ،تملأ الأرجاء حلاوة وسكينة تهدأ ريعات تلك القلوب الجاثمة على حافات هاوية الانتظار،،،،،
تزوجت من شاب كنت قد أحببته وأنجبت مريم ،،
بليلة وضحاها ،،،أتفاجأ بقرار يتخذه أنه سيهاجر ،
وحينما تتحسن أحواله يرسل لي ،،كنت حاملاً حديثاً بمريم ،،،كنا نعيش بالإجار بغرفة وصالة متواضعة.
وصلني خبر غرق القارب بمن عليه ،وانقطعت أخباره كليا ،،،،بعد سنة من ولادةمريم أتفاجأ بعدتصوير لإختلاجات تتعرض لها بوجودكتلة بالدماغ، ويجب استئصالها ،،ومبالغ خيالية أعجز حتى عن ثمن روشتة الطبيب ،،،
كانت ليلة باردة لا تغيب عن مخيلتي ،حينما غابت عن الوعي ،،،ليلتهاأخذتها المشفى ولا بد من إجراء العملية ،،،كل طاقم المشفى أصبح على علم بخطورة حالة ابنتي ،،،لكن ما يؤجل العملية عدم استطاعتي استكمال مبلغ العملية ،رفض المدير والطبيب لأنها إجراءات روتينية ،لا يستطيعون تجاوزها ،،،
بلا مبالاة لما قد يترتب من تدهور بحالتها …كل يوم يؤجل به موعد العملية ،،،وعواقبها ،
لأدفع الثمن باهظاً ،،،لإستغلال أحد هم لظروفنا ويتكفل العملية مقابل زواجه بي عرفياً ،،،،
كنت مضطرة أنقذ حياة ابنتي فوافقت ،،،،
لندفع الثمن سويا ،تحجر قلوب هي أشدهم رحمة ورأفة ،،،كانت سبب فقدبصر ابنتي مريم ،فقد تولى العملية طبيب جراح ليس بمؤهلات استشاري متخصص،فقد طلب حينها مبلغاً خيالياً ،ولخطأ طبي أثناء العملية وتأخر موعد إجرائها ،دفعتْ ثمنه فقد بصرها الذي كان سببه صمم قلوب، وفقدان بصيرة الإنسانية ،التي سحقت طفولتها،لتحولها لمنجم فقد بريق مكنونه لتدفن جواهره بأرض قاحلة ،،،،
وهي تولد أنامل تكتنز أثقال عقول ،ضاعت هيبتهم بين تراب ،،،،،،،،،ولأقع فريسة رجل انتهازي ،،،كان ينوي أن يستغل فقري وحاجتي لأهواء دنيئة ،،،،ترضي أنانيته ووحشيته ،،،
لأهرب ليلا بابنتي ،،وألتجىءلبلدة مجاورة هذه التي أعيشها اليوم بينكم .
أهرب من ذاتي ،،،،من أقدار سلبتني أجمل سنين عمري ،،دفعنا ثمنها أنا ومريم ،،،،،،
كثيرا أتساءل من كان أظلم وأجدر بالجلد أمام تلك الأقدار ،،،،زوج أناني هجرنا بلا عودة ،أم طبيب خان شرفية مهنته التي أقسم ،وتخلى عن واجبه الإنساني
ليرضي جيوبا تمتلىءبالنقود ،ليتم ماركات أملاكه الدنيوية ،،،أم استهتار طبيب لخطأ طبي ،أودى بفقدان بصر مريم ،،،،،،أم رجل لم يحمل قداسة الطب مهنة ،،،ليحوله القدر لفاقد هوية البشرية ،،،،،
تتابع وأنا أشعر سأغيب عن الوعي للحظات ،لتدخل علينامريم ،وهي تمسك بابني ليدالسنة ،،،
وتخطوببطء تخشى عليه الوقوع أرضا ،،وهي تتبع الحائط الذي رطبت بيديها أحجاره الصلبة ،،بقلبها الجميل وأناملها الوردية
بقلم //هيفاء البريجاوي//سورية
التعليقات مغلقة.