أُغنيةٌ إلى دورا…إلى الكاتبة الفلسطينية بشرى أبو شرار بقلم الشاعرأشرف قاسم
عصفورتانِ ووردةٌ
ويدٌ تفتِّشُ عنْ يدِ
وحبيبةٌ جلستْ تُحاورُ صمتها
كُرسيّها مُتململٌ،
والزَّهرُ في البُستانِ
مُشتعلٌ بوجدِ الموعدِ
تمضي أمامَ عُيونها صورٌ لتاريخٍ تشظَّى
ما استفاقتْ شمسُهُ
في ذلكَ الصُّبحِ الكسُولِ
المُرعدِ
صورٌ لأحلامِ الطُّفولةِ
للبلادِ،
لرقعةٍ في القلبِ تسكنُ
يستبدُّ بها الأسى،
صورٌ لمأساةِ الرَّحيلِ،
مُخيَّماتِ اللاجئينَ،
مفازةٍ لا تنتهي،
صورٌ لألفِ جنازةٍ قدْ شُيِّعتْ فيها العُروبةُ،
واستحالَ الحُلمُ كابوسًا،
وسردابًا طويلًا ليسَ يُفضي للبلادِ،
متاهةً تلوَ المتاهةِ،
والجراحُ تنزُّ مِنْ قلبٍ عجوزٍ
عاشَ يحلمُ بالغدِ
هِيَ هكذا
مُنذ استراحَ البحرُ في الكفَّينِ
تسألهُ عنِ الأحبابِ كيفَ تفرَّقوا
ورفاقِ كُتَّابِ القراءةِ
حيث “دورا” جنَّةُ المأوى،
وحيثُ الليلُ يرسمُ للفؤادِ طريقَهُ،
والصُّبحُ مُبتسمٌ
بصدرِ المشهدِ
هِيَ هكذا
مُنذُ استباها الحرفُ
تُشعلهُ بنارِ سؤالها عنْ وجهِ “ماجد”
عنْ رفاقٍ غادروا لمْ تدرِ كيفَ؟
وعنْ بيوتٍ لمْ يعدْ منها سوى صورٌ
مُكدَّسةٌ
بعمقِ القلبِ،
تذكرُ كُلَّما اشتعلَ الحنينُ بقلبها
كُلَّ التَّفاصيلِ الصَّغيرةِ
تستعيدُ بلادها مِنْ موتها
يا أيُّها الوطنُ الَّذي ما انفكَّ يسكنُ
في الشّغافِ
أنا أضمُّكَ مثلَ طفلي
رغمَ حُزنِ تشرُّدي
صورٌ لتاريخٍ طويلٍ مِنْ نضالِ أبي الأبيِّ
ومعطفٍ ما زالَ يحملُ روحهُ،
قلمٍ مداد حروفهِ نورُ الصَّباحِ،
دفاترٍ حفظتْ شقاءَ وجودنا،
أحلامنا
ما الحُلمُ كانَ سوى براحِ يديهِ حينَ يضمُّنا
يجتاحُنا فرحُ الصِّغارِ بعيدهم
منذُ اصطفاهُ اللهُ لمْ نرَ عيدنا،
فالعيدُ كانَ أبي
ونور الفجرِ وجهُ أبي
بهذا النُّورِ كُنَّا نهتدي
مَنْ يكتبُ التَّاريخَ؟
حُزنُ التَّائهينَ؟
أمِ اغترابُ اللاجئينَ؟
أمِ الذينَ تخاطفوا دمعَ الحنينِ؟
تُرى نموتُ على ممرَّاتِ المعابرِ
مُهطعينَ لكُلِّ ما قدْ لفَّقوهُ مِنَ الأكاذيبِ؟
البلادُ الآنَ ليستْ ملكنا
نمضي بدونِ هُويَّةٍ
لا اللَّيلُ صافحنا
ولا هذا النَّهارُ المُرتجى
يدري بحُزنِ العابرِ
المُتمرِّدِ
سرقوا الطُّفولةَ مِنْ مخادعِنا
استحلوا فرحنا،
اختفتِ ابتساماتُ الملائكةِ الصَّغارِ،
تفحَّمتْ ألعابُهم
سنظلُّ نبني كُلَّما هدموا
ونضحكُ كُلَّما انهزموا
و”دورا” الآنَ تبتسمُ،
لفجرٍ طلَّ مِنْ شُبَّاكِها العالي
ستائرهُ حريرٌ أبيضُ
يطغى على الحقدِ الدَّفينِ
الأسودِ!
التعليقات مغلقة.