إبحار نقدي لإبراهيم معوض في قصة زهرة الصبار لمحمد كمال سالم
كتب إبراهيم معوض في قصة زهرة الصبار :
خليط من القيم والحنين حرك مشاعر المتلقي نحو تلك المرأة التى قضت عمرها فى ظل بيت أصيل لم تغيره تفاصيل الحاضر فصارعت جدرانه عوامل الجو وصارعت حديقته عوامل الزمن وبقي البيت الذى ورثته من زوجها الثري كما هو طابق واحد ولكنه ذو قسمين مختلفين في الإرتفاع.
إشارة منه إلى معادن ساكنيه؛ فيبدو أن الأخوة اللذين سرقوها وهربوا كانوا يوماً ما من سكان القسم المنخفض، والمرأة التى عطفت على طفولتها وزاد عطفها بأن ربطت مصيرها بمصير ولدها الوحيد كانت من سكان القسم المرتفع، وهنا أشار الكاتب أن الخير الذي يقدمه الإنسان لأخيه الإنسان لا يحتاج إلى صلة قرابة ولا جنس فهذه المرأة الغريبة تعاملت معها بشهامة فاقت أخلاق رجال من لحمها ودمها.
مرت عليها الأيام وهى تنتظر عودة الغائبين؛ يبدو أنها كانت تلتمس لهم الأعذار في كل ليلة.
واتخذ الكاتب من نبات الصبار رمزا على تحمل تلك الفتاة التي صارت جدة لكل أنواع الخسة التى قدمت لها من أقرب أقاربها.
كما أشار الكاتب من خلال الحوار القصصي أنه من رحم المحنة خرج الأولاد الثلاثة، ولكن تعاطي المحنة بات مختلفا
فقد صنعت من الذكور قسوة فوق قسوتهم الفطرية، وصنعت من الفتاة رقة فوق رقتها وتسامح وايثار وكأنها قديسة.
السرد طيع غلب عليه أسلوب الحكي الروائي.
اللغة مناسبة للشخوص والحدث.
القصة ذات طابع إنساني رقيق محملة بأبعاد تربوية وكأنما يريد الكاتب أن ينتصر فيها للأنثى بأن جعل منها أيقونة الرحمة سواء في السيدة العجوز أو الفتاة اليتيمة؛ اما الرجال فهم بين بين .
لا أرى في هذه القصة ما يحتاج لإعادة النظر إلا أمران.
الأول: وهو ذكر لفظ (السيدة الطيبة)
ولفظ (السيدة التقية)
فلا أرى أن مهمة السارد الحكم على أبطاله وإنما يفضل أن يضع المعطيات فقط من خلال السرد ويترك للقارئ إصدار الحكم حتى يجعل منه عنصرا متفاعلا وليس مجرد متلقي لأفكار الكاتب كاملة .
الثاني: كنت اتمنى ان يكون لجمال (الزوج) دور أكبر من مجرد انه تزوج باختيار أمه ومات..
وفي النهاية أحيي الكاتب الخلوق محمد كمال سالم على هذه التحفة الرائعة وندعو الله له بدوام الرقي
خالص تحياتي ومودتي….إبراهيم معوض
قصة زهرة الصبار
بقلم/ محمد كمال سالم.
رغم أن البيتَ من طابق واحد ، إلا أنه من قسمين منفصلين مختلفين في الارتفاع.
وزينب انتهت وحيدةً في هذا البيت الواسع القديم الذي ظل صامدا أمام كلِ ما تغيَّر في هذا الحي التاريخي العتيق ، حتي مقام الشيخ المبروك جُدد أكثرَ من مرة ،لكن بيتها ظل أبيًا أمام كلِ هذا التغيير،ظل كقطعةٍ أصيلةٍ وسط كومةٍ من الفالصو .
كلما كلّت زينب جلست علي تلكَ الدرجاتِ الرخاميه البيضاءِ التي تربط قسمين البيت ببعضهما ، تظللها السماءُ وفقط .
تتكئُ علي الدرابزين الخشبي العجوز، ترعى جصاتها لنبات الصبار ، التي رتبتها علي تلك الدرجات ، وما من مرةٍ وطأت تلك الدرجات إلا تذكرت أولَ مرةٍ ارتقتها تصحبها السيدة عائشة التركية ، لتحتضنَها وهي لم تتجاوزْ الثلاثةَ عشرةَ عاما.
وجدتَها وحيدةً بصحبةِ أخويها الشابين الذين أتيا بها، وأجَّرا نصفَ هذا البيت من السيدة عائشة، ولكنها في صباح اليوم التالي طرقت بابَهم.
سألتهم: ما حكايتكم ؟!
قال اخوها الأكبر حسن : فتنةٌ حدثت في بيتنا بيدِ زوجةِ أبينا بعد أن تُوفيت أمّنَا .
أضاف الأصغر حسين : استحال العيشُ معها بعد أن استولت على كل أملاك والدنا، في قريتنا .
حسن : نصحنا الوالد، وهو يحتضرُ أن نفرّ باختِنا زينبَ ،تحتَ جُنح الليل.
أنصتتْ المرأة التركيه لحديثهما ، تدبرته ، تمهلت ، ثم قالت:
لا ينبغي أن تظلَ الفتاةُ معكما بمفردها،،أجرت لكم في بيتي، لتبقوا هنا لأنكم أغراب، وسوف أحتضن اختكم في بيتي بعد أن أعقدَ قرانها علي ابني الوحيد ( جمال) ولكنه لن يدخلَ بها حتي تبلغَ رشدَها.
وافق الشابان علي الفور ، فقد كانت زينب ، حِملا ثقيلا على كاهليهما .
واصطحبت السيدةُ الطيبة الفتاةَ الصغيرة، إلي مسكنِها في النصف الأعلي من البيت ، بعد أن أنهي المأذونُ مهمتَه .
ووجدت زينب بيتا دافئًا ، ميسورًا، شابا وسيمًا مهذبًا،سيصبحُ زوجها، أحسنت السيدة عائشة وفادتها وراحت تدربها علي حياتها الجديدة ويدها ممدودة بالعطاء لأخويها
لكن بعد عدة أسابيع ، تفاجأ الجميع بمغادرة الشابين للبيت ، وطال انتظارُ عودتهما ، بلاجدوى.
حَزنت زينب لغياب أخويها ، ولم تُفصح للسيدة عائشة، أن لها نصيبًا كبيرا من المال في حوزتهما من خبيئة أرشدهم إليها والدها قبل مغادرتهم قريتهم، وكانا قد دساها في صُرة ملابسهم .
واختفيا وتركاها وحيدة منكسرة الخاطر تبذل دموعها كلَ ليلةٍ كلما أوت إلي مخدعها.
لكن السيدة التقية جبرت كسرتها ، وأوفت بعهدها مع أخويها ، وأتمت عقدَ الزواج في حينه.
أنجبت زينب من جمال طفلا جميلا أسمته “حسين” ثم خمسةً من البنات ، مرض جمال مرضا عضالا ، مات علي أثرِه ،وهو مازال شابا صغيرًا ، لم تحتملْ السيدة عائشة، فراق إبنها الوحيد فلحقت به بعد عام واحد .
عادت الأيامُ لعصفها بزينبَ ، لم يمهلها القدر من الاستقرار سوي عشر سنوات.
تاريخ طويل من الألم والمعاناة جالَ بخاطرِها ، حيث كانت تجبر كسر ساق في زهرة الصبار بجريدة من الخشب وبعض من الخيط .
انتبهت علي نفيرِ آلات تنبيه سيارات كثيرة تحمل البشر ، جاءت لزيارتها ، أطفال كثيرون يطرقون الباب ( جدتي ، جدتي)، تفتح ذراعيها قبل أن تفتح الباب، مرحبةً،
بناتها يقبلون يدها ووجنتها،
يقبلها ابنها حسين معاتبا : أمي أصبح لكِ قصورم فلِمَ تبقين وحدك في هذا البيت؟ لِمَ تُعاندين؟!
قالت : يابُني ، أخشي أن أهجر البيتَ فيأتيني أخوالُك.
التعليقات مغلقة.