إيه . تي . إم قصة قصيرة بقلم محمد كسبه
على ماكينة السحب لن تكون وحيدا ، ستجد الكثيرين حولك ، مهما كنت انطوائي أو كتوم ، أو حتى ممن يخافون من الحسد ،ستفقد كل هذه الخواص ، كل من حولك سيعرف رقمك السري ، و كم يبلغ راتبك ، و إذا أخطأت ستجد من يذكرك ربما برقمك السري أو بالمبلغ الذي ستسحبه من الماكينة .
حتى أنت أمام الماكينة ستتعامل بتلقائية و تندمج مع الجميع في هذه الفوضى دون وعي أو إدراك ، ستتدخل في شؤون الآخرين بدافع المساعدة و الحرص على مصلحة الآخرين .
بمجرد أن علمت بأن الرواتب يتم صرفها اليوم من ماكينة البنك ، بعد انتهاء عملي بالمدرسة اتجهت للبنك ، وقفت في آخر الطابور على الماكينة ، كل فرد يتسلم الماكينة لا يريد أن يفارقها و كأنها أصبحت ملكا له ، معظم الذين سبقوني في الدور كان معهم أكثر من فيزا ، منهم من يقبض لزملائة أو جيرانة أو أقاربه، أعجبتني فكرة الالتزام بالدور لكن لابد من الالتزام ببطاقة واحدة للسحب .
أزعجني جدا ذلك الرجل ضخم الجثة الذي كان معه أربع بطاقات الأولى خاصته و الأخريات ملك زملائه في العمل و المفاجأة أنه كان يضع البطاقة و لا يتذكر الرقم السري الخاص بها ، فكان يطلب في كل مرة ممن خلفه أن يمنحوه مكالمة لصاحب البطاقة ، و على الرغم من أنه كان يطيل المكالمة و لا يعير أحدا أي إهتمام ، إلا أنه لم يعارضه أحد و الجميع ملتزمون الصمت حتى أنا .
أخيرا جاء دوري ، بمجرد أن وضعت الفيزا ، لم أشعر بالوحدة و كأني بين الأهل و الأصدقاء أسمع و أنفذ الأوامر
اضغط اللغة العربية يا أستاذ
اكتب الرقم السري
جاري و لا توفير
جاري خلاص اضغط جاري
اعمل استعلام
اكتب المبلغ كله يا أستاذ عشان نعرف المكنة فيها فكة و لا لا
حاضر
يا أستاذ إنت كتبت الرقم غلط
اكتب المبلغ صح
لو مش عارف إوعي و أنا أكتب لك
لأ لأ عارف عارف
طب خلص ياعم
لو سمحت يا أستاذ ممكن تشوف لي الفيزا دي المرتب نزل فيها يا بني
حاضر أخلص يا حاجة
اكتب المبلغ صح و اسحب يا أستاذ
قمت بكتابة المبلغ ، لكن الماكينة أخرجت الفيزا ، و ظهرت شاشة تفيد بنفاذ النقود .
يا أستاذ في البنك جوه بيغذوا المكن ، شوف حضرتك كل المكن مش شغال .
بعد نصف ساعة
يلا يا أستاذ اكتب الرقم السري تبعك ٤ ٨ ٧ ٩
هو إنت فاكر الرقم
يأ أستاذ كلنا عرفنا رقمك و حفظناه
اكتب المبلغ ٣٩٧٠
لأ يا أستاذ اكتب ٣٩٥٠
حاضر
كتبت ٣٩٧٠
الماكينة تم نفاذ أحد فئات النقود
يا أستاذ أنا قولت لك من الأول مفيش فكة
تمام يا سيدي
تم تصحيح المبلغ المطلوب
خد الفيزا الأول يا أستاذ عشان متنسهاش
حاضر
اسحب الفلوس
حاضر
لو سمحت يا ابني شوف لي المرتب نزل ولا لسه على الفيزا بتاعتي
حاضر يا حاجة
الجميع يا أستاذ إنت خدت دورك سيب المكنة لغيرك .
حاضر
أخيرا الحمد لله ، قبضت المرتب و ما زالت يدي تمسك بالنقود في جيبي .
أسير في الشارع ، و أشعر أني مراقب .
أصعب شيء أن مجتمع ماكينة السحب لا يعترف بشيء اسمه الخصوصية .
التعليقات مغلقة.