ابتلاء المرض
بقلم /محمـــد الدكــــرورى
إن الدنيا دار بلاء وأمراض ظل زائل ومتاع منتهي ما من إنسان في هذه الدنيا إلا ولابد أن يواجه فيها مرض وعافية وسرور وفرح وحزن وسراء وضراء كل هذا لماذا ، وكثيراً من الناس قد يواجه المرض لكنه ينسى الصبر عليه وينسى ما في المرض والبلايا من فوائد جمَّة في الدنيا والأخرى ، وإن الله تعالى لم يخلق شيئاً إلا وفيه نعمة ولولا أن الله خلق العذاب والألم لما عرف المتنعمون قدر نعمة الله عليهم .
وإننا نعيش في عصر وزمان كثرة أمراضه وأسقامه، أدواء وأمراض انتشرت في الناس انتشار النار في يابس الحطب، أدواء وأسقام لا يكاد يسلم منها أحد إلا من رحم الله، فهيهات أن ترى لذة لا يشوبها ألم، أو صحة لا يكدرها سقم، أو سروراً لا ينغصه حزن، أو راحة لا يخالطها تعب، أو اجتماعاً يعقبه افتراق، أو أماناً لا يلحقه خوف ، ففي عالمنا اليوم تطور العلم وتقدم الطلب، ومع ذلك فشت الأمراض واستعصت، أمراض لم نكن نعهدها، وبلايا لم نكن نعرفها، ولم يكن هذا الأمر سهواً، ولا قدر عبثاً، وإنما هي سنن ربانية ثابتة .
ولولا الليل لما عُرف قدر النهار ولولا المرض لما عُرف قدرالصحة والعافية وأهل الجنة يفرحون ويزداد فرحهم عندما يتفكرون في آلام أهل النار بل إن من نعيم الجنة رؤية اهل النار وما هم فيه من عذاب ، والمرض تهذيب للنفوس وتصفية لها من الشر الذي فيها ، وقد قال تعالى :
( وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم وويعفوا عن كثير ) فإذا أصيب العبد فلا يقل من اين هذا ولا من أين أتى فما أُصيب إلا بذنبٍ فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما يصيب المؤمن من وصبٍ ولا هم ولا حزن ولا اذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) متفق عليه .
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مريض من أقاربه وهو مريض بالحمى وقال : ( لا بارك الله فيها ” أي الحمى ” فقال صلى الله عليه وسلم ” لا تسبوا الحمى فإنها مكفرة للذنوب والخطايا ” وقال صلى الله عليه وسلم : ” لا يزال البلاء بالمؤمن في أهله وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ” فالمرض تكفير لسيئاتنا وخطايانا التي اقترفناها بأسماعنا وأبصارنا وألسنتنا، وسائر جوارحنا، وهذا من رحمة الله بنا أن يجعل له العقوبة على معاصينا في دنيانا .
وقال صلى الله عليه وسلم : ” ما اختلج عرق ولا عين إلا بذنب، وما يدفع الله عنه أكثر ” والاختلاج هو الحركة والإضطراب، وتعجيل العقوبة للمؤمن في الدنيا خير له من عقوبة الآخرة حتى تكفر عنه ذنوبه ، وعن أنس قال: قال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم : ” إذا أردا الله بعبد الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة ” رواه الترمذي .
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم : ” ما من مسلم يصيبه أذىً من مرض فما سواه إلا حط الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها ” رواه البخاري،
عباد الله من الناس من له ذنوب وليس له ما يكفرها فيبتليه الله بالحزن والمرض لتصفيته وتنقيته من الذنوب إن صبر واحتسب .
فعن عائشة أن رسول الله طرقه وجع فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إن الصالحين يشدد عليهم وإنه لا يصيب مؤمناً نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا حطت عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة ” .
ومن فوائد المرض وحكمه: أنه تذكره وعظه للعبد، فلربما أصيب الإنسان حال صحته وقوته بشيء من الكبر والعجب، والفرعنة وقسوة القلب، وغيرها من الأمراض المهلكة الفتاكة، فيرحمه أرحم الراحمين بأن يبتليه بأنواع من المصائب والأسقام، التي تريه عفه وعجزه وتواضعه، فتكون هذه الأمراض والأسقام بمثابة الحمية لهذا العبد من أدواء أخطر وأعظم، فسبحان من يرحم ببلائه، ويبتلى ويمتحن بنعمائه.
ومن فوائد المرض أنه يعقبه لذة وسرور في الآخرة ، فإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة والنعيم لا يدرك بالنعيم وكما قال صلى الله عليه وسلم ” الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ” وإن الإبتلاءات سنة ربانية اقتضتها حكمة الله سبحانه في هذه الدار، لتكون داراً للإمتحان في الشهوات والفقر والمرض والخوف والنقص في الأموال والأنفس والثمرات كما يكون الابتلاء بكثرة الأموال والأولاد والصحة فقال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنةً وإلينا ترجعون ).
وإذا نزل بالعبد مرض مرض أو مصيبة فحمد الله واسترجع وصبر إلا أعطاه الله من الأجور ما لا يعلم قال تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) لإكل الأعمال قد تجد لها أجراً معيناً إلا الصبر لعظمته فأجره بغير حساب ، والمصائب والآلام ملازمة للبشر ولا بد لهم منها لتحقيق العبودية لله .
ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” إذا مات ابن العبد قال الله لملائكته وهو أعلم قبضت ابن عبدي قالوا : نعم فيقول وهو أعلم : فماذا قال ؟ فيقولون : حمدك واسترجع فقال : ابنو لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد ” ويوم القيامة يتمنى أهل العافية في الدنيا لو أن جلودهم وأجسادهم كانت تقرص بالمقاريص لما يرون من ثواب أهل البلاد والأمراض عند الله .
إن هذه الأسقام والأمراض إنما هي ابتلاء من أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، والله سبحانه وتعالى ، لم يرسلها على عبده ليُهلكه بها، ولا ليعذبه بها، كلا، وإنما ليمتحن صبره ورضاه عنه، وإيمانه، ويسمع تضرعه وابتهاله، وليراه طريحاً ببابه، لائذا بجنابه، مكسور القلب بين يديه، رافعاً قصص الشكوى إليه.
وهذا شيء من حكم وفوائد وأسرار الابتلاء بالمرض، ولا يظن ظان مما سبق أن المرض مطلب منشود، كلا، فإنه لا ينبغي للمؤمن أن يتمنى البلاء، ولا أن يسأل الله أن ينزل به المرض، فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “سلوا الله العفو والعافية فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية”.
ومن فوائد المرض أنه يُعرف به صبر العبد على بلواه وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ، وإذا صبر العبد إيماناً وثباتاً كُتب في ديوان الصابرين ويكفي الصابرين شرفاً أنهم في معية وحفظ الملك جل وعلا قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ).
وإن حمد العبد وشكر كتب في ديوان الشاكرين ويكفي الشاكرين شرفاً أنهم أهل الزيادة قال تعالى : ( ولئن شكرتم لأزيدنكم ) والنبي صلى الله عليه وسلم قال : ” عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير إت أصابته سراء شكر فكان خيراً لـه وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً لـه وليس ذلك إلا للمؤمن ” .
وما أعظم الأجر، لو قدر الله المرض على عبد وهو مقيم على عبادته وطاعته وذكره، ما أجمل المرض يوم يقدم على العبد وهو من أهل القرآن والمحافظين والسابقين لفضائل الأعمال من قيام ليل وصيام ونهار، فإن الله إذا أقعد عبده بالمرض، كتب له ما كان يعمل حين كان صحيحاً، أي فضل أعظم من هذا؟
ويا أخي المريض ، إذا حل بك المرض وأقعدك، فتدارك نفسك بتوبة لله صادقة، وذكر له على كل حال، ولا تنس نفسك من عمل صالح أو فعل خير أو صدقة جارية، وتأهب للموت برد الودائع ِإلى أهلها، والتخلص مما في ذمتك من مال، أو مظلمة، أو دين، فكم من مريض له ذنوب لا يتوب منها، أو عنده ودائع لا يردها، أو عليه دين أو زكاة أو في ذمته مظلمة لا يؤديها، وإنما تفكيره وحزنه على فراق الدنيا وما فيها، لا هم له سواه، نسأل الله العفو والعافية.
التعليقات مغلقة.