ابن العزّة لا يبالي.بقلم.بوعون العيد
كانت ليلة مقمرة هادئة تتراقص نجومها طربا ، وكانت السّماء صافية ، وكانت نسائمها تنساب عليلة تدغدغ القلوب ، والأجساد ، مفتشة في حنايا النفوس المتقدة ، والقلوب المتفئدة شوقا لرؤية غد مشرق ؛ تطلّ شمسه من وراء غيمة المقاومة تضيىء مسرى خاتم الأنبياء والمرسلين ، لكن بقدر ذاك الصّمت الرّهيب ، كان الخطب أشدّ مضاضة ؛ حيث تحوّل الصّفاء إلى عُتمة وسواد ، والهدوء إلى دوي ، وصُراخ وعويل ، وانبعث صوت صفارات الإنذار في كل كلّ حدب وصوب ، وبات الكلّ في صخب وجلبة ، بين رائح وجاءٍ ، وماهي إلا لحظات حتّى تحوّلت المدينة إلى ركام ، وأنقاض ، وانتشرت رائحة الموت في كل مكان ؛ كيف لا والمصاب جليل والعزاء جميل ، والكل موقن أن الله سوف يديل … وفي ردهة الأحداث وقف الصّبي من وراء جدار منهار ينظر النّيران ، وألسنة اللّهب تأخذ بتلابيب البيوت فجردتها من حلّتها وحوّلت بيضاها سوادا ، تارة ينظر إلى ما تبقى من البيت ، وطورا يحدّق في النّار وهي تتقدم نحوه ؛ لكأنّه يخاطبها قائلا : أيّتها القذائق دُكي البيوت دكا ، وحوّليها ماڜئت ، فلن تدُكّي حزمي وعزمي ، وعزتي وكبريائي ، … أيّها الدّخان القاتم أحجب كلّ جميل ، فلن تحجب حدود وطني ، وامتدادي بأهلي … أيتها النّيران ، التهمي الصّخر والحجر ، والحديد لكنّك لم ولن تلتهمي عروبتي وإسلامي ، ومجدي التّليد .
أيّها الظالم المستبد حبيب الفناء عدوّ الحياة ، أتسخر من أنّاتنا ؟ وقد خضّبت كفّك من دمانا ، لماذا تدنّس سحر وجودنا ؟! بل تماديت ورحت تبذر شوك الأسى في رُبانا . نحن باقون مابقي لحاؤنا ، نحن العزّة ، نحن أهل الأرض فولّوا عن مرابعنا فالأرض من تحت أقدامكم تغلي وتضطرب … نحن بذْر الجهاد ، وثمر الحرّية ، وقبس الأمل الموعود ، حتّى وإن أحرقتم النّخيل بساحنا سنُطلّ من فوق النّخيل نخيلا ، ولعلك تظنّ أنّك ستُسكت صوت المٱذن بهدمها ؛ نحن المٱذن فاسمع التّهليلا ، فالله أقوى من هدير سلاحكم فانعم به وكيلا ، واقرأ أيّها الغاشم أنني باسل ، مقدام رضعت حبّ الشهادة سائغا من حلمة ثدي البطولة ، ولست أبالي مادامت النّهايات تشابهت ، حيث يجمعنا الموت النّازل من سماء العدوان غير هائب لشيبة الكبير ،أو عادل عن نضارة الصغير. منتظرا ساعة يُلفّ جسدي بأكفان الشّهادة .
التعليقات مغلقة.