استلاب/ قصّة قصيرة
بقلم / محمد المسلاتي- ليبيا
فُوجئت بوالدي في محله الصغير للبقالة
ينزل الصورة المعلقة للرجل ذي الشعر الكثيف، والشاربين الكبيرين المعكوفين، يضع مكانها أخرى يتوسطها وجه شخص أصلع . .
سمعته يتمتم :
- البقاء والدوام لله . . سبحانه الحيّ الذي لايموت.
ثم خرج مسرعًا . .حين رجوعه لاحظت أنه صار حليق الرأس . .
لفت انتباهي أن جميع المارة، والمترددين على السوق ، وأصحاب المحلات من الرجال صاروا متشابهين . .
هممتُ أن أسأله ، وضع يده على فمي . . همس بخوف : - أنت طفل . . هذه أمور لا تفهمها .
بعد سنوات سافر أبي للعلاج قاصدًا مدينة يقطنها شيخ ذائع الصِّيت، قيل أنّه يداوي المرضى . . و يخطُّ أحجبة القبول، والمحبّة، يفكّ السِّحر، ويطرد الجان . .
أمرني أن أحلّ محله منتهزًا فرصة عطلة نصف السنة المدرسيّة. .
ما إن فتحتُ باب الدكان حتى وقفت سيارة معتمة الزجاج، انفلت منها أربعة رجال ملتحين يحملون بروازًا يضمّ وجهًا كبيرًا احتلت لحية كثَّة نصفه، أما النصف الآخر التهمته عِصَابة قاتمة تغطي الرأس، والأذنين لتلتف بإحكام حول كل تقاسيمه . .
قال لي أحدهم : - انزع الأولى . . ضع هذه .
لكن يبدو أنه أدرك ضآلتى، وصغر سني، وارتباكي فتقدم إلى الداخل مع رفاقه . .
ارتكز ثلاثة منهم على الكرسي الوحيد لدينا فيما ظل الرابع تحتهما مباشرة . .
تابعتهم بخوف، وتوجس حاولوا تحريك القديمة؛ لكن المسمار الصدئ كان عالقًا بها، ثابتًا في مكانه ما اضطرهم إلى خلعهما معًا بقوة ، والرمي بهما إلى الركن . .
نقّلتُ بصري بينهم، وبين ملامح الشخصية المتسمرة على الجدار ، هالني التطابق . .
شرعوا يلمعون الزجاج بأطراف أكمامهم الفضفاضة . .
أشار أحدهم بإصبعه نحوي قائلًا : - نظفوا هكذا باستمرار وفاءً، وولاءً لمعاليه.
بعد مغادرتهم ؛ شعرتُ بشيء من الطمأنينة سرعان ما انطفأت حين نظرت إلى فوق؛ خيّل إليّ أن عينين حادتين تخترقان الإطار . . ترمقانني بإمعان، تتحركان معي أينما اتجهت. .
هربت إلى الشارع، أتقافز بجزعي بين
عابرين تماهت هيآتهم مع سحنة من تركته خلفي .
التعليقات مغلقة.