اسمع صمت أخيك..مدحت رحال
كان أحد الحكماء الأثرياء يلقي درسا على تلامذته ومريديه
وهم يصغون بانتباه وكأنهم يشربون كلامه .
وفيما هو كذلك إذ دخل عليه رجل غريب لا تبدو عليه ملامح طالب علم ، ولكنه يبدو كأنه عزيز قوم ذل .
وكان بيده قارورة فيها ما يشبه الماء
وجلس .
انتظر الحكيم قليلا ثم قال للغريب :
ألك حاجة فنقضيها أم لك سؤال فنجيب عنه ؟
قال الغريب : لا هذا ولا ذاك .
ولكن في هذه القارورة ماء آليت ألا أبيعه إلا لمن يقدره ،
وقد رأيتك أهلا لذلك .
تناول الحكيم القارورة وأخذ يقلبها وينظر فيها وهو يبدي إعجابه ثم قال للغريب :
إنه ماء ثمين حقا فكم تريد فيه ؟
قال الغريب : مائة دينار
قال الحكيم : هذا قليل . سأعطيك مائة وخمسين دينارا .
قال الغريب : لا ، أريد فقط مائة دينار لا تزيد ولا تنقص .
التفت الحكيم إلى ولده وطلب منه أن يحضر المبلغ من البيت ،
ثم دفعه للغريب الذي تناوله وانصرف .
وفي الليل ساورت الشكوك ابن الحكيم في هذا الماء ،
فأخذ القارورة وتفحص ما فيها فوجده ماء عاديا .
دخل على أبيه وقال : يا أبت لقد خدعك هذا الغريب واستغل طيبتك . فما في القارورة غير ماء عادي .
تبسم الحكيم وقال :
يا ولدي , انت نظرت إلى الماء ببصرك
وأنا نظرت إليه ببصيرتي فوجدته ماء وجه الرجل ،
هذا الغريب ألمت به ضائقة واحتاج إلى مائة دينار ،
فجاء بهذا الماء يبيعه ليصون ماء وجهه عن ذل السؤال .
يا بني ،
إذا لم تستطع أن تسمع صمت أخيك
فلن تستطيع أن تفهم كلامه .
تعقيب
الصمت يُسمع احيانا بلا كلِمٍ
وكم فصيح أتى بالغث من كلِمِ.
التعليقات مغلقة.