اضواء مبهرة… محمود حمدون
” أضواء مبهرة “
محمود حمدون
لم تكن أول مرة أسير هذا الطريق فقد خضته من قبل مئات المرّات ,لقد حفظت مبانيه تلك الزخارف التي تعلو واجهاته العالية العتيقة ومنعطفاته , حتى العثرات والحفر التي تتوطن شوارعه الجانبية منذ عقود, تلك المحلات التجارية التي تنتشر على جانبيه , تتلألأ ليلًا بأضواء مبهرة تجذب عيون البشر كما تجذب الهوام …
لطالما سرت صغيرًا بهذا الحي الهادئ ,فكنت كلما خلوت بنفسي ورغبت ببعض من هدوء أُهرع إليه , أتسكع بين جنباته , أتطلع للفراغ الذي يحطً على بيوته الوادعة , بعض تلك المشاوير كان يرافقني فيها صديق , نتسامر سويَّا حول بضعة احلام مؤجلة خلنا أنها ستتحقق في القريب فلمّا حلّ المستقبل دونها أرجأناها لأجل مسمى لم يأتي حتى الآن ..
بالأمس قطعته لكن لست أذكر لما فذاكرتي تتوه منّي في الآونة الأخيرة , اعتلّت بدورها كما يضطرب كل شيء , ربما يجري عليها ما يجري على الموجودات المادية فتزّل قدرتها بعد عنفوان الصبا ..
ربما كنت أسعى خلف مصلحة هامة رجوتها ذاك اليوم , عندما انتهيت خرجت عل عجل للشارع الرئيسي , وقفت قبالة بوابة ” الاستاد الرياضي ” أنتظر مرور سيارة أجرة لأستقلها للذهاب لعملي فالوقت كان مبكّرًا , كليّ أسف كيف سمحت لنفسي بالخروج لقضاء أمر بُعَيد شروق الشمس والحيُّ ساكن يُطبق عليه صمت القبور.
لكن عنما مرّت ” سيارة أجرة” تذكّرت أنني جئت منذ سويعة بسيارتي الصغيرة تلك التي تتأرجح في سيرها كعجوز تهرول نحن حتفها بمهارة , فقد ارتبطتُ بها ولا أظن أن غيرها يناسبني..
- ترى أين هي ؟ نسيت أين تركتها !!
فعدت أدراجي للسير بنفس الطريق , على مشارفه حلّت ظلمة قاحلة على المكان كما إنطفأت أضواء مصابيح أعمدة الإنارة وأطبقت عتمة شاملة لفّتني من رأسي لأُخمص قدمي ..
بحذر التزمت أقصى اليمين تفاديًا لأي ضرر قد يأتيني من الجهة المقابلة , أعملت حواسي كاملة فقد أحسست بمرور أشياء تجاورني تكاد تلمسني فأتجنبها قفزًا ذات اليمين واليسار , أتحسس موطء قدمي خشية أن أطأ جروًا أو هرًا … أخرجت ” هاتفي النقّال” ألتمس إضاءته لتساعدني على السير , فأبى واستعصّ عليّ ..
لعلها دقيقة أو أكثر وخناق قد اعتراني وخوف بدأ يتسلل من جحافل الظلام القادمة من كل صوب..
فجأة اندفع من العدم شبح لفتاة صغيرة , اقتربت منيّ وقد انزاحت العتمة قليلًا , فرأيتها دون الثامنة ترتدي جلبابًا طويلًا, شعر رأسها مسترسل لا يتجاوز كتفيها , واسعة العينين بشكل مُلفت , تبدو أسنانها من بين ضحكتها الفجة وحشية تُثير الفزع .. تعلّقت بذراعي الايسر بشدة , تملّصت منها ففشلتُ .. - من أنت ؟ سألتها بحدّة …
- اتسعت ضحكتها العنيفة ومن بين أسنانها المتفلّجة السوداء أجابتني بخشونة: أنا خطيبتك .!!
التعليقات مغلقة.