” افطار شهي ” محمود حمدون
أكملت الخادمة مهمتها ثم نظرت للمائدة نظرة رضاء بعد أن رصّت أطباق بمختلف أنواع الأطعمة , انسحبت في هدوء , بينما كان الصبي يرمقها وقلق بارد يغمره , فالأصناف الموجودة أمامه , معظمها لا يعرفه , لم يرها من قبل , غمره احراج , فعزف عن الطعام بينما معدته تنقبض بشدة من جوع شديد, تذكّر أنه لم يذق طعم الزاد منذ يوم كامل , جال بعينيه في المكان , فخامة تلفّه, مكان أشبه بقصر , و إن لم ير قصورًا من قبل , لكن تخيّلها هكذا .
قطع عليه حبل أفكاره , حديث عمّه العجوز : مالك ” يا ممدوح ” ؟ ألا يعجبك الطعام ؟! أم ترغب بصنف معين ؟!
= أفطرت قبل مجيئي .
استحسن المسن عبارة الصبي فلم يُصّر على كرم ضيافة فاترة , أعقب : لماذا أتيت ؟ أقصد لم أرك منذ سنوات طويلة … , صح ؟! أظن أنك أتيت لعلّة .!
أجاب ” ممدوح ” بضجر يتصاعد : أتيتك , و ورائي تركة ثقيلة , جئتك بحثًا عن حق ضائع منذ سنوات بعيدة ,لطالما سعيت وراءه , لا سواك يمكن أن أقايضه و أعلم أنك ستكون من الفائزين في تلك الصفقة .
تنحنح العم , يبدو أن غصة أصابت حلقه , فتناول جرعة من زجاجة مياه معدنية أمامه , نظر للصبي بعمق وقال بصوت نحاسي : الأزمة الاقتصادية أمسكت بخناق الجميع , حقيقة لا أملك سوى هذه الدار و بضعة جنيهات تعينني على الحياة بالكاد , لكن… بعد صمت قصير: لقد هديتني لفكرة جيدة : ابحث لنا سويًا عن مشتر يُقيلنا من عثرتنا, أنا على استعداد لبيع نصيبي له , أو لك إن استطعت تدبير الثمن.
غيظ تملّك الفتى فاندفع : لم أسع إليك إلاّ بعد أن انقطعت السُبل أمامي , ثم أنت الآن كبير العائلة , وذاك إرث ينبغي أن تحافظ عليه أنت ,,
قاطعه الشيخ بحدة : لقد اعتزلتكم منذ عشرات السنين , لماذا أهتم الآن ؟! أنا أكثر حرصًا منك على التخلص ممّا يربطني بالماضي , نهض من على المائدة , نظر في ساعة يده شاردًا للأفق عبر نافذة كبيرة تتوسط غرفة الطعام , رسالة وقعت في فؤاد الصبي فأدرك مغزاها , فنهض بدوره معتذرًا لموعد وراءه , غمغم العم كأنما يخشى أن يفهم الصبي خطأ أنها دعوة للبقاء : يا ولدي لا يخاف الفقر إلاّ من طابت له الحياة .
التعليقات مغلقة.