آية ومعنى : ” أولئك لَهُم جَنَّات عَدْنٍ تجري من تحتِهم الأنهارُ “ الكهف 31
بقلم : أشرف خاطر
الفراعنة قدماء المصريين ، بعبقريّة هندسيّة فذّة ، حوّلوا مجرى نهر النيل لنقل حجارة الهرم الأكبر ونقلوا ١٧٦ ألف طن من الحجارة الكلسية والجيريّة الضخمة عبر قوارب خشبية عبرت النيل بإتجاه الشمال من أسوان جنوب الوادي ، وكان الحجر الواحد يزن أكثر من طنين ، لمسافة أكثر من ٥٠٠ ميل ، وأن الممر المائي المكتشف حديثاً أسفل هضبة الجيزة ، إضافة إلى طبيعة البنية التحتية للهرم الأكبر يشيران إلى وجود ميناء داخلي كان المحطة النهائية لهذة الحجارة .
ذلك لأن نهر النيل الخالد أطول أنهار العالم بطول ٦٦٠٠ كلم ، كان يجري تحتهم ، وتحتهم تعني : أنهم طوَّعوا النهر وأنه تحت إمرتهم وعبقريتهم ووطنيتهم .
فأنت عندما تكون مديراً لشركة وتقول : بأنه يعمل تحتي سبعون موظفاً ، تعني أنهم تحت رئاستك وتحت تصرفك وإمرتك وأوامرك.
قال تعالى : ” قد جعل ربك تحتك سريَّا ” مريم ٢٤ ، سريَّا : يعني جدولاً صغيراً أو نهرا . ، قال تعالى : ” ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي مُلك مِصْرَ وهذة الأنهار تجري من تحتي أفلا تُبصرون ” الزخرف ٥ ، ويعني تحت تصرفي.
نهر النيل لم يكن ينبع من تحتهم بل كان يجري من تحتهم ، فاستغلوه أحسن إستغلال وقدسوه وعلموا أنه الحياة وأن مصر هبة النيل _ منهم لله رموا المصريات الجميلات في النيل قرباناً وتقديساً فكان وما زال ينبع من بحيرة فيكتوريا ، ليصل جريانه إليهم ، فماذا كانوا فاعلين لو أن أحداً أقام سداً حال دون جريانه كما كان بعنفوانه ؟
سكان وأهل جنات عدن ، لا أحد يهددهم بقطع جريان الأنهار عنهم بإقامة السدود عليها ، لأن منبعها من تحت جناتهم ، ومن تحتهم .
قال تعالى ” ونزعنا مافي صدورهم من غلٍ تجري من تحتهم الأنهار ” الأعراف ٤٣
جنات تجري من تحتها الأنهار : يعني الكلام عن الجنات لأن الضمير في ( تحتها )عائد على الجنات ، وذُكرّت ٣٥ مرة في القرآن الكريم ،
جنات تجري من تحتهم الأنهار : يعني الكلام عن ساكني الجنة لأن الضمير في ( تحتهم ) عائد على أهل الجنة ، وذكرت ٣ ثلاث مرات بالقرآن الكريم .
قال تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم ) يونس ٩
وحرف الجر ( من ) يجرنا إلى عدة معاني له في اللغة عموماً :
قد يكون للتبعيض : عندما نقول : أكلت من الفاكهة ، أي بعضها .
وقد تكون زائدة : مثل : ما جاء من رجل ، فلا يعقل أن يكون بعض رجل ، فتكون ( من ) هنا زائدة لغرض التوكيد .
وقد تكون لإبتداء الغاية : خرجت من مكان كذا ، مثل : من هنا بدأت مقالي . فالسياق يؤدي إلى المعنى .
الآيه الوحيدة التي أتت بدون ( من ) :
قال تعالى : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين إتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جناتٍ تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم ) التوبة ١٠٠
( والذين اتبعوهم بإحسان ) ولَم يقل سبحانه : ثم عاد فسخط عليهم !! بل رضي الله عنهم وهم أكثر من أثنى عشر ألفاً من أصحاب سيدنا محمد _ صلى الله عليه وسلم _ ونحن نترضى عنهم كما رضي الله عنهم ، وأعد لهم جناتٍ تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ، (أعدّ لهم ) إذاً علم أنهم سيموتون على طاعته فسيدخلهم جنته ، وأنهم كانوا وما زالوا قُدوة حسنة لمن تبعوهم بإحسانٍ ، وهذا رضوانٌ من الله عليهم جميعاً ، وشهادةٌ من الله سبحانه على أنهم قدوة حسنة لمن تبعوهم بإحسانٍ رضي الله عنهم وأرضاهم ،والشيءُ بالشيء يُذكر ، وهنا أذكرُ وأُ ذّكر بلفتة إيمانية لجيش مصر العظيم ، بأنه يمنح شهادات قدوة حسنة لمن أدى من أبناءه الخدمة العسكرية الإلزامية بحسن سير وسلوك ، عرفاناً منه بحسن سير سلوكهم طيلة فترة خدمتهم العسكريّة ، _ ولي الشرف أنني ممن حصل على هذة الشهادة _ .
من منبرنا هذا أتوجه برسالة إلى من يسبون الصحابة _ رضي الله عنهم وأرضاهم _ صحابة سيدنا رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ لا سيما منهم الشيخان : سيدنا أبوبكر الصديق ، وسيدنا الفاروق عمر بن الخطّاب _ رضي الله عنهما وأرضاهما _ أقول لمن يسبونهم : إنتهوا خيراً لكم ، وتوبوا إلى الله ، ألم تكفكم تلك الآية رقم مئة من سورة التوبة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ” صححه الشيخ الألباني . وإلا ما دُفنوا بجوار النبي عليه الصلاة والسلام .
وصل اللهمّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمدلله رب العالمين .
اللهمّ بحبك لمحمدٍ إشف محمداً .
التعليقات مغلقة.