” الآخر “
محمود حمدون
يظل المرء سرًا مغلقًا على نفسه , يتشدق بليبراليته وديمقراطيته المتأصلة لديه , تلك التي يروّج بين الناس أنها صفة جُبل عليها وفطرة تقلّب بين ظهرانيها صغيرًا بين ذويه .. حتى يصطدم بالآخر , الحديث عن أي آخر يختلف معه سواء في الرأي أو الرؤية وصولًا للمعتقد والعقيدة ..
هنا تراه على حقيقته , تجد نفسك بين يدي عقلية متحجرة لا يرى إلاّه , يكره كل معارض , يؤمن بقرارة نفسه أن الخلاف يئد كل قضية , المختلف معه بينه وبين الكُفر شعرة واهية ..
يتنفس المجتمع ويحيا كشخصية اعتبارية شأنه شأن باقي الموجودات الحية , ولأن عناصره الاوليّة وخلاياه التي يتشكّل منها هم البشر بتنوّعهم وإختلافهم , لذا فله عقل جمعيُ , يسيطر عليه ويتلاعب به من يملك زمامه من أصحاب الصوت العالي..
الحديث عن قبول الآخر , شائع حتى أصبحت العبارة من كثرة ترددها وترديدها مسخّا فقدت بريقها كباقي المفردات والمصطلحات التي تميع بين أيدي النخبة , فهل نقبل الآخر فعلًا ؟ هل نسمح للمختلفين معنا بتلك المساحة التي نستحوز عليها ؟ لالالا بل نصفها ,, أقصد رُبعها أو خُمسها ؟ لعل السؤال الأدق .. هل نسمح بظهور الآخر أو بفكرة وجوده من الأصل ؟
النغمة السائدة أننا كمجتمع نسمح بهذا , نقبل الآخر كما هو , الفرقة الموسيقية تعزف ذاك اللحن بكفاءة ومهارة وهي في عزفها تعتقد بصدق الأداء , وبجودة المُنتج و تؤمن بأن المستمعين يصدّقونها .!
الشاهد الرئيسي على مدى تقبُّل الآخر : عندما تتعامل مع شخص ما لا تعرفه , زميل في العمل أو جار جديد , غريب بمواصلة عامة و ربما جليس بجوارك في أي مكان ثم بدأ هذا الشخص أو ذاك في التقرّب منك والتودد إليك.., هل تبحث سرّا أو جهرّا عن ديانته ومعتقده ؟. ثم تؤسس بعد ذلك لشكل علاقتك به وطريقتك المُثلى في التعامل معه؟ أجزم أن كلنا سننكر علنًا ذلك المنهج ومع ذلك نمارسه آناء الليل وأطراف النهار كمن يمارس شعيرة لا يستقيم دينه دونها .
الأزمة خانقة تبدأ من الجذور , من بضعة تفسيرات وتأويلات للنصوص , تكفّر الآخر وتقبله على مضض , تراه مغنمًا , دونيّة نفرضها على كل مختلف في العقيدة أو الرأي , ضريبة ينبغي أن يدفعها هؤلاء طالما ارتضوا العيش معنا وبيننا , لنا كمجتمع كل الحق في أن نؤمن بهذا .. فنحن دائمًا على صواب والحق دليلنا في الحياة , الآخرة مضمونة نتائجها .
التعليقات مغلقة.