الأسرة إما سجن أو روضة.. بقلم عائشة جلاب
مذ خُلق آدم على ھذه البسیطة حسب ما روّي أنّهُ لم یحتمل العیش وحیدافجعل له الله من ضلعه حواء لتكون سندا له رغم أنّهُ كان یعیش في جنّة أبدعھا له
الله لیحیا سعیدا آمنا مع أنثى تختلف عنه في كلّ شيء في تركیبته وتفكیره،لكنهما يُكمّلان بعضهما في الأخذ والعطاء،فكانا یتقاسمان ظروف الحیاة وصروفھا فأنجبا معا وبكیا معا فجیعة مقتل ابنیھما ھابیل
على ید شقيقه ھابیل ،ومن یومھا والمرأة أنیسة الرّجل في ھذه الحیاة وشریكته في حلوھا ومرّھا فتكونت بینھما سكینة وموّدة وأطفال یملؤون علیھم حیاتھم ،
فیتعبون ویبذلون قصارى جھودھم لأجل إسعادھم وجعلھم ذخرا یفتخرون به أمام
المجتمع ،وسندا یسستندون عليه حین تضعف بنیتھم ویصبحون غیر قادرین على مجابھة الحیاة وصعوباتھا.وتختلف طریقة الأفراد في تربیة أبنائھم فھناك من
یستعمل القسوة والشّدة في التّعامل مع أرواح بریئة طیبة یستقبل عقلھا كلّ ما
یملى علیھم كورقة بیضاء نرسم علیھا ما نشاء من معتقدات أو شرّ أو خیر،
فتُمحى شخصیتھم ویصبحون نسخة مشوّھة على آباء ربما ظُلموا ھم أیضا في
طفولتھم فصبّوا مكبوتاتھم وما تخزّن من أمنیاتھم التي دُفنت في تربة القسوة واللامبالاة في أبنائھم ، فیصبح البیت سجنا لا حریة فيه للصّراخ والغناء والجري
وحتى الخربشة على الجدران التي یعتبرھا بعض علماء النّفس تفریغا لشحنة من التعب یجب أن تجد حیزا معقولا للقیام به، وھنا نستند إلى الكثیر من المفكّرین
والفلاسفة أمثال أندريه جید الذي یقول عن الأسرة :إنّي أكرھك ، لأنّهُ یرى أنھا سجن یقتل الكثیر من المواھب والقدرات التي كان یمكن لأصحابھا أن یكونوا
عباقرة أو علماء أفذاذ لولا القیود التي حدّت من قدراتھم الجامحة، ومن نفس
فكرته نتذكر قول الأدیب والمفكّر جبران خلیل جبران الذي قال مقولتھ المشھورة:
أبناؤكم لیسوا لكم ، إنّھم أبناء الحیاة.
وعلى عكس ذلك یرى البعض أن الأسرة ھي الحضن الدّافئ والحصن الحصین
الذي یجب أن یحاط به الطفل منذ مراحله الأولى، والمَعین الصّافي الذي یستقي منه النّصح والإرشاد كي لا یُترك عرضة لمطبّات المجتمع والانفلات دون
ضوابط تجعلھ لا یعیر العادات ولا التزامات المجتمع أي اھتمام.
ولكن مھما حرصت الأسرة على جعل الأبناء مثالیین فلن تستطیع إلى ذلك سبیلا
، لأنھا لا تملك معیارا أو میزانا تسیر علیھ بكلّ حذافیره ، ولیكن قدوتنا رسول
الله علیھ الصلاة والسلام وصحابتھ الكرام ، بحیث نحاول غرس بذور الفضیلة
في نفوسھم وحبّ الخیر ومساعدة الغیر ونبذ البغضاء والتشاحن ومحاولة التّقرّب
منھم واستیعاب متغیّرات العصر وتقبّلھ بعض الشيء دون الانغماس فیھ فلكلّ
مجتمع قیّمھُ ومبادئھُ التي یبنى علیھا ولكن أحد الاحادیث عن السلف الصالح
تختصر كل مراحل التربیة في جملة واحدة لو تتبّعھا الأولیاء لاستغنوا عن كلّ
كتب علم النفس وھو: داعب ابنك سبعا ، وأدّبهُُ سبعا وصاحبه سبعا ، ثمّ اترك له الحبل على غاربه .فالمرحلة العمریة الأولى احتواء ومداعبة للطفل لعدم وعيه
بالعالم الخارجي ، ثمّ تاتي مرحلة التأدیب ورسم المنھاج الذي یسیر علیه ،
وبعدھا مرحلة الشباب واكتمال العقل الذي یجب أن یترك فیھ الشاب حرّا لیختار
طریقة ویرسم دربه وحده كالنّھر بإرادته.
التعليقات مغلقة.