الأعمار بيد الله عز وجل
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
الإخلاص والتوحيد شجرة في القلب ، فروعها الأعمال ، وثمرها طيب الحياة في الدنيا، والنعيم المقيم في الآخرة، وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة، فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك ، والإنسان مطلق ، والإنسان حريص على الحياة الدنيا ، وحريص أن يطول عمره ، ولو استطاع أن يخلد في الدنيا لفعل ، ولكن الله سبحانه وتعالى قهر العباد بالموت والفناء .
وإن الوقت هو الحياة، وأوقاتنا هي رأس مالنا في هذه الدنيا، ومن فرط في وقته وعمُره فقد فرط في خير كبير، فأيام الله تعالى تتسارع، والأزمنة تتلاحق ، وكل شيء من حولك يذكرك بقيمة الوقت والزمن الذي تعيشه، فطلوع الشمس وغروبها، والقمر الذي قدره الله منازل، وكل يوم تراه أصغر أو أكبر من اليوم الذي قبله، وحركة الكون والكواكب، والسماوات والأرض، فكل هذه الأشياء تذكرك بقيمة الزمن الذي هو رأس مالك .
فحرص الإنسان على طول حياته في هذه الحياة الدنيا بدون أن يتنبه إلى ما يكتسبه في هذه الحياة ، قد يكون عليه طامة كبرى ، لأن الإنسان إذا طال عمره ، وساء عمله ، فإن طول العمر بالنسبة لهذا الإنسان نقمة ، وليس بنعمة ، فعمرك إنما هو وعاء لأعمالك ، فلا تكن حريصاً على الوعاء ، بدون حرص على ما يحتويه هذا الوعاء ، لأن قيمة الوعاء بما يحتويه ، وقيمة عمرك بما تجنيه ، إن خيراً فخيرا ، وإن شراً فشرا .
ودعاء المؤمن بطول العمر في الدنيا ، ليس المقصود منه طول المكث فيها فقط ، فقد يكون وقتك وعمرك قصيراً ، ولكن الخير فيه كثير وكثير جداً ، فهذا هو سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، في فترة وجيزة من عمره لا تتجاوز السنتين ونصف هي فترة ولايته، ملأ فيها الأرض عدلاً ، بعدما ملئت جوراً وظلماً ، فطول العمر ليس خيراً للإنسان إلا إذا أحسن عمله .
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يُؤتَى بأنعَم أهل الدنيا من أهل النار فيُصبَغُ في النار صبغَةً، ثم يُقال له: يا ابنَ آدم! هل رأيتَ خيرًا قط؟ هل مرَّ بك من نعيمٍ قط؟ فيقول: لا والله يا ربِّ، ما رأيتُ نعيمًا قط، ويُؤتَى بأشدِّ الناس بُؤسًا من أهل الجنة، فيُصبَغُ صبغةً في الجنة، فيُقال له: يا ابنَ آدم! هل رأيتَ بُؤسًا قط؟ هل مرَّ بك من شدَّةٍ قط؟ فيقول: لا والله يا ربِّ، ما مرَّ بي بُؤسٌ قط، ولا رأيتُ شدَّةً قط ” رواه مسلم.
وإذا كان خير الناس من طال عمره وحسن عمله ، فإنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله دائماً أن يجعله ممن طال عمره في طاعة، وذلك من أجل أن يكون من خير الناس ، فيا من أطال الله عمره وأمدّ بقاءه فجاوزت الشهور والسنين ولا تدري متى الرحيل، فإن كنت ممن وُّفقت للخيرات ، فاشكر الله على الفضل الكبير ، واحمده على الخير الكثير ، وسله سبحانه الإخلاص والثبات حتى الممات، وإن كنت من أهل التقصير والتفريط، وضاع وقتك فيما لا ينفع، فبادر بالتوبة قبل فوات الأوان ، فأبوابها مفتوحة للتائبين .
وإن كان العمر طويلاً فازدد من الطاعة والقربة والإحسان ، واستغله بطاعة الله الرحيم الرحمن ، فهذا الإمام الشافعي رحمه الله عاش قرابة خمسين عامًا، ولم يزد عليها، ولكن اسمه على كل لسان، فقد ملأ علمه الأفاق، وترك أثراً لا يمحى ، وكم من معمر عاش أكثر من مائة عام ، ولا يعرف بين الناس له ذكر، لأنه ليس له عمل صالح ، فالكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها.
وتفاوت متوسط عمر الإنسان عبر التاريخ، فمتوسط الأعمار يقل على مر الزمان، حتى الأنبياء والرسل تفاوتت أعمارهم بشكل كبير، فبعضهم قارب القرن وبعضهم الآخر لم يتجاوز مرحلة الشباب. وفي هذا المقال ستجد عزيزي القارئ أعمار الأنبياء وأماكن دفنهم، مع أن هذه الأماكن بكل الأحوال ليست دقيقة مئة بالمئة.
آدم عليه السلام: هو أبو البشر جميعاً وعاش ألف عام، ويرجّح أنه دفن في الهند وقيل أيضاً أنه دفن في مكة، وهناك قول آخر بأنه دفن في بيت المقدس ، وإدريس عليه السلام ويسمى أيضاً (أخنوخ): عاش قرابة الثمانمائة وخمسة وستين عاماً، ولكن مكان دفنه غير معروف.
ونوح عليه السلام (شيخ المرسلين): عاش قرناً إلاّ خمسين عاماً، وقيل أنه دفن في مسجد الكوفة، أو في الجبل الأحمر، أو في المسجد الحرام ، وهود عليه السلام (عابر): عاش أربعمائة وأربعة وستين عاماً ودفن في شرق حضرموت في اليمن ، وصالح عليه السلام: مدة حياته ليست معروفة، ولكنه يقال أنه مدفون في حضرموت في اليمن.
ولوط عليه السلام: مدة حياته غير معروفة، لكن الأقاويل ترجح وجود قبره في قرية صوعر في فلسطين ، وإبراهيم الخليل عليه السلام (أبو الأنبياء): عاش مئتي عام، ويرجح أنه ولد بعد عام الطوفان بقرابة 1263 سنة، وأنه دفن في مدينة الخليل في فلسطين، ولذلك سميت على اسمه ، وإسحاق عليه السلام: عاش مئة وثمانين عاماً، ودفن في الخليل أيضاً مع أمه وأبيه إبراهيم بفلسطين.
وإسماعيل عليه السلام: عاش مئة وثلاثة وسبعين عاماً، ودفن في مكة المكرمة في جوار أمه هاجر ، ويعقوب عليه السلام (إسرائيل): عاش مئة وسبعة وأربعين عاماً، ومات في مصر حيث هاجر لابنه يوسف فاستقر هناك، لكن وحسب وصيته نقله يوسف عليه السلام إلى فلسطين ودفنه في الخليل.
ويوسف عليه السلام (الصدّيق): عاش مئة وعشر سنوات، ومات في مصر ولكنه دفن في نابلس في فلسطين ، وشعيب عليه السلام: لم تُذكر مدة حياته في الكتب السماوية، لكن قبره في حطين بالقرب من طبرية في فلسطين ، وأيوب عليه السلام (الصابر): عاش ثلاثة وتسعين عاماً، ودفن في دمشق قرب قبر زوجته في قريه الشيخ سعد.
وذو الكفل عليه السلام (بِشر): لم يأتِ ذكر عمره عند موته بالكتب السماوية، لكنه ولد في مصر وتوفي في سيناء في أيام التيه، ويقال أنه دفن في أرض الشام بجوار والده ، ويونس عليه السلام: لم يُذكر عمره عند موته أيضاً ولا يعرف أحد موضع قبره.
وموسى عليه السلام (كليم الله): عاش مئة وعشرين عاماً وتوفي ودُفن في سيناء ، وهارون عليه السلام: عاش مئة واثنين وعشرين عاماً، وتوفي أيضاً في سيناء ودفن فيها ، وإلياس عليه السلام: مدة حياته غير معروفة لكنه ولد عندما دخل بنو إسرائيل إلى فلسطين، وقبره موجود في بعلبك في لبنان.
وإليسع عليه السلام (إليشع): لم يُذكر عمره عند وفاته ولا مكان دفنه ، وداود عليه السلام: عاش مئة عام وقيل أن مُلكه على بني إسرائيل دام أربعين عاماً ، وسليمان عليه السلام: عاش اثنين وخمسين عاماً وقد ورث عن أبيه المُلك وكان عمره اثني عشر عاماً ودام مُلكه أربعين عاماً.
وزكريا عليه السلام: عاش مئة وخمسين عاماً، وقيل بأنه قُتل بالمنشار على يد قتلة ابنه يحيى عليه السلام ، ويحيى عليه السلام: لم يُذكر عمره عند وفاته لكنه ولد في العام الذي ولد به المسيح عليه السلام، وذُبح وهو في المحراب وقُطع رأسه ودُفن في الجامع الأموى في دمشق.
وعيسى بن مريم عليه السلام: عاش على الأرض ثلاثة وثلاثين عاماً، ثم رفعه الله إليه بعد بعثته بثلاث سنوات ، ومحمد رسول الله صل الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين: ولد في مكة في سنة 570 ميلاديه ، وتوفي وهو في الثالثة والستين من العمر، حيث دفن في المدينة المنورة تحديداً في بيت عائشة داخل المسجد النبوي.
واعلم أن أي عمل طيـب ، فيه نفع للمسلمين، لك أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة، وتذكر دوما هذا الحديث ، الذي رواه الحاكم ، عندما جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا محمد عش ما شئت فإنك ميت واحبب من أحببت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به .
التعليقات مغلقة.