الأغنية المصرية ودعم القضية الفلسطينية
كتبت الباحثة نسمة سيف الفن والقضية الفلسطينية
بالرغم من تعدد الكتابات التي تناولت القضية الفلسطينية من مختلف الجوانب السياسية والعسكرية ، حتي في حال تناولها علي المستوي العربي أو الدولي نجد أن غالبية هذه الدراسات تسلط الضوء علي الدور الرسمي أو السياسي علي الرغم من القضية الفلسطينية كان لها دور هام في ظهور اغاني وطنية وقومية ساهمت في الوجدان المصري والعربي ،
إثر النكبة عام 1948، والتي شارك فيها الجيش المصريّ بالقتال، بدأ أوّل تحركٍ فنيّ مصريّ تجاه القضيَّة الفلسطينيَّة، بالتوازي مع صعود الفنّ المصريّ الغنائيّ. أنتج هذا الصعود أوّل أغنية مصرية باسم “فلسطين”، عام 1948، من كلمات الشاعر علي محمود طه ولحّنها وغنّاها محمد عبد الوهاب، لتكون أوّل أغنيّة فنيّة تؤازر القضية الفلسطينيّة وتحثّ الجيوش العربيّة على الانتصار أمام الاحتلال الإسرائيليّ.
أخي، أيهـــا العربيُّ الأبيُّ أرى اليوم مَوعـــدنا لا الـــغــــــدا
أخي، أقبل الشرقُ في أمــةٍ تردُّ الـــضلال وتُحيي الــهُـدى
أخي، إنّ في القدسِ أختاً لنـا أعــدَّ لها الذابحون الـــمُــــدى
صبرنا على غدْرِهم قادرينا وكنا
لَهُمْ قــدراً مُــــرصــداً، و مع استمرار المواجهات العسكريّة بين الاحتلال من جهة وبين العرب من جهة أخرى، كالعدوان الثلاثيّ عام 1956، وحرب 1967، وصولاً إلى “أكتوبر” عام 1973، كلّها شكّلت رافداً لمزيد من الأغاني المصريّة حول القضية الفلسطينيّة.
كان العندليب المصري عبد الحليم حافظ وكوكب الشرق أم كلثوم من أهم الوجوه خلال تلك المرحلة الغنائية، وقد غنّيا الاثنان لفلسطين. غنَّى حليم إبان النكسة عام 1967 أغنية “المسيح” من كلمات الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، وألحان بليغ حمدي. كما غنَّى من قَبلِها أيضاً أغنية “ثورتنا العربيَّة”، وأغنية “وطني الأكبر” بمشاركة محمد عبد الوهاب ووردة وشادية ونجاة.
دلوقت يا قدس ابنك زي المسيح غريب غريب
تاج الشوك فوق جبينه وفوق كتفه الصليب
خانوه.. خانوه نفس اليهود
ابنك يا قدس زي المسيح لازم يعود. علي أرضها
وغنّت أم كلثوم “أصبح عندي الآن بندقية”، من كلمات الشاعر السوريّ نزار قباني، وألحان محمد عبد الوهاب والذي شاركها الغناء أيضاً. كان ذلك عام 1969، بعد احتلال سيناء بعاميْن. إذْ شهدت الفترة ما بين 1948 و1973 مؤازرة فنيّة غنائية شديدة من ألمع مطربي ومؤلفي تلك الحقبة بداية بمحمد عبد الوهاب، وسيد مكّاوي، وفريد الأطرش، ومحمود طه، وبليغ حمدي، مروراً بعبد الحليم حافظ، وأم كلثوم، إلى شادية، ونجاة، والأبنودي، وفؤاد حداد، وغيرهم، وترافق ذلك مع دعمٍ ومساندة سياسيّة رسميَّة من النظام السياسيّ في مصر. وخلال فترة الثمانينات
كان أبرز من غني للقضية الفلسطينية محمد منير. والذي طلّ على الجمهور العربي بأغنيته الأولى عن فلسطين: “شجرة الليمون” عام 1981، وبأغنية أُخرى هي “العمارة” الصادرة عام 1989 أثناء الانتفاضة الفلسطينيَّة الأولى، فغنّى منير عن الأطفال والحجارة.
واحنا نغني في كل مكان
أغاني الشعب وثواره
وأصغر طفلة في فلسطين
شالت بالكف حجارة
جاءَ من بعد مُنير جيلٌ آخر من المطربين، منهم عمرو دياب وهاني شاكر وتامر حسني ومحمد فؤاد وغادة رجب وإيهاب توفيق وغيرهم، ضمّنوا جميعهم بين أعمالهم أغانيَ عن فلسطين على مدار عقديْن من الزمن (1990- 2010).
أشهر تلك الأعمال هو أوبريت الحلم العربي والذي صدر عام 1998، وغنّاه 21 مطرباً عربيّاً بشكلٍ جماعيّ، وبعده أوبريت “القدس هترجع لنا” عام 2000، من أداءِ أكثر من 30 فناناً. وخلال الانتفاضة الفلسطينيَّة الثانية (2000- 2005)، انضمّ المطرب محمد فؤاد للرَّكب بأغنيته “الأقصى نادى”، ومثله هاني شاكر بأُغنيته “على باب القدس”، متأثراً باستشهاد الطفل محمد الدّرة وهو في حضن أبيه.
شاركهُما التضامن المصريّ الفلسطينيّ كلٌّ من الفنانيْن عمرو دياب وتامر حسني، بأغنيتيْ “القدس دي أرضنا”، و”ترابك يا فلسطين”، لتشكّل حقبة حُكمِ مبارك المصريَّة، على مدار 30 عاماً، تضامناً فنيّاً مع القضيَّة الفلسطينيَّة، يعلو صوته في الأحداث السياسيّة المشتعلة في فلسطين، ويخفت مع خفوتها.
التعليقات مغلقة.