موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

“الأنثروبولوجيا ،وعطر الحب والإبداع ” دراسة نقدية لقصة “شانيل ” للأديبة/كنانة عيسى… نقد وتحليل” أسامـة نـور “

202

“الأنثروبولوجيا ،وعطر الحب والإبداع ” دراسة نقدية لقصة “شانيل ” للأديبة/كنانة عيسى… نقد وتحليل” أسامـة نـور ”


النص :-“شانيل” بقلم كنانة عيسى


تلكَ العباءةُ تخنقُني، أكادُ أحترقُ في جوفِها الذي يزدادُ ضيقًا والتصاقًا بجلدي، تحيطُني رائحتي الحامضةُ، أدركُ أنَّني أهوي داخلَ نفسي وأنا أقتربُ منْ مدخلِ المسجدِ، يفصلني عن بوَّابته المزخرفةِ المحفورةِ بعمقٍ داخلَ قلبي خمسُ دقائقَ من المشي تحتَ الشمسِ الحارقةِ إنْ لم أتردَّدْ و أقفْ مجدَّدًا
( أنا اختنقُ) ، أتمتمُ لنفسي.
تراودني نفسي أن أخلعَ هذا الحذاءَ الآثمَ الذي يطرقُ الإسفلتَ بإذعانٍ وسخطٍ و أهربَ، لكنَّ تلكَ الكفوفَ السميكةَ في يدي تُعيقني حتَّى عن التفكيرِ، أطلقُ عينيَّ الثاقبتين حولي وأنا أمشي ببطءٍ باستغاثةٍ.
أمامي امرأةٌ سمينةٌ لاهثةٌ تتَّكئُ على كتفِ ابنتِها الشَّابةِ القميئةِ ولا أستطيعُ أن أغيِّبَ بصري عن رِدفيها المكتنزين أمامي، أشعرُ بالدوارِ وأهمسُ لنفسي (مخلوقاتٌ عجيبةٌ لا تستحقُّ الحياةَ)
نسوةٌ يتبادلنَ أحاديثَ غريبةً عن أزواجهنَّ ضاحكاتٍ قُبيلَ الصلاةِ بقليلٍ، لا يأبهْنَ لأولادِهنَّ الذين لا يتوقفون عن الركضِ و اللعبِ والصراخِ في أرجاءِ المكان، أفكِّرُ:
ناقصاتُ عقلٍ ودينٍ، من يحضرُ أطفالًا للمسجدِ حقًا؟
أنا فعلًا لا أستطيعُ التنفُّسَ.
سمعتُ من خلفي لغطًا لرجالٍ تهافتوا على الدنيا بخيبةٍ، وقِلَّةِ حيلةٍ، يتحدَّثون عن غلاءِ الأسعارِ وصعوبةِ الحياةِ، أحدُّهم كانَ يدخِّنُ بشراهةٍ شاردًا بحزنٍ عن كلِّ شيءٍ.
كنتُ قد اقتربتُ بفارقِ دقيقتينِ من موعدِ الأذان، أكادُ أسمعُ صوتَ الإمامِ يتهادى برصانةٍ وثباتٍ ورخامةٍ ، تكبير…
استرقْتُ السمعَ لرجلٍ وامرأةٍ وأنا أغرسُ أظافري في نواحي جسدي في حكاكٍ مزعجٍ تحتَ نقابٍ التقطَ أنفاسي عني.
تقولُ لهُ بأنَّها ستزورُ والدتَها ويتمتمُ غاضبًا بأنَّ هذا ليسَ الوقتَ المناسبَ، يفترقانِ في حنقٍ مضحكٍ. اقتربتُ كثيرًا من البوَّابةِ، كنتُ على وشكِ أن أخلعَ حذائي الكريهَ و أنضمَّ لجموعِ المصلِّين حين غمرني سطوعُ عطرٍ رقيقٍ، نظرتُ خلفي ورأيتُها، كانت هي تلكَ التي اقتلعتْ قلبي يومًا من مكانِهِ وختمتْهُ بعطرها، تتهادى بقامتها الناعمةِ في جاذبيَّةٍ غريبةٍ كما تطأُ روحي في الأحلامِ وتذوبُ فيَّ.
” ما كانَ يجبُ أنْ تكونَ هنا… هذهِ فلذةُ الروحِ… هذهِ حبيبتي” قلتُ لنفسي وأنا في تلك الحيرة.
ركضتُ بعيدًا عن الأرواحِ الخاشعةِ، خلعتُ عنِّي كلَّ شيءٍ، حتَّى ذلكَ الحزامَ الناسفَ الذي أوشكَ على الانفجارِ،لم أكنْ أشعرُ بالذنبِ أو الخوفِ أو الهلعِ.كنت اختنق .. كنتُ أريدُ فقط أن أتنفَّسَ عطرَها.



النقد والتحليل لأسامة نور :-

مقدمة :- إن الإبداع سمة الحضارة ، ونتاج البحث والجهد والرؤية والتفكير والتأمل ، فالمبدع فيلسوف ؛يفكر في الأشياء وما وراءها ، يتأمل في كنهها فيخرج لنا إبداعًا مغايرًا ،
يتسم بالتجديد وعمق الرؤية، يحق التشويق والإمتاع .
والعمل القصصي يقدم الفكرة ويبحث في عمق الذات ؛ليستخرج التناقض ، ويكشف دواخل النفس
ويعكس حال المجتمع ،ويكشف أبعاده وفكره.
يؤرخ أحداثه ويستكشف معالمه ..
إنَّ الأدب مرآة المجتمع ؛ يعكس حالة المجتمع ويظهر الإيجابيات ويؤكد عليها ويدعمها ،ويسلط الضوء على السلبيات ؛فيعرض خطورتها وما يترتب عليها من سوء العواقب ؛لنتجنبها ونعالجها ونقضي عليها ..لهذا كان للأدب دورٌ حيويٌ في المجتمع
فالفن والأدب” شعره ونثره” قوة ناعمة لا يمكن إغفال دورها الحضاري والثقافي على مر العصور وتعاقب الأزمنة ..فالأدب والفن من ركائز الحضارة والتقدم
كما أنهما خلدا التاريخ البشري والملاحم والأحداث
والوقائع بل شكلا كثيرًا منها .وقد قيل إذا أردت أن تقف على حضارة دولة فانظر إلي آدابها وفنونها.
ويري سقراط وكذلك أفلاطون ..أهمية الفن في المجتمع
ودوره في تهذيب الآخلاق وتعديل السلوك ،ثم دعَّم ذلك
الكاتب الروسي “تولستوي” في كتابه” ما الفن؟” وذهب أن الأدب والفن ضروريان لإصلاح المجتمع، وتقويمه ..
——؛؛؛؛؛؛——-
**في ماهية العنوان:-
للعنوان أثر كبير في جذب المتلقي لقراءة النص ، وله دور كبير في فهم النص ومحاولة تأويلة ،وفك شفراته ، واستكناه مضمونه .
لهذا أفرد النقاد للعنوان مباحث عدة ، وجعلوه مدخلًا رئيسًا للنص ، بل اعتبروه نصًا مصغرًا يعبر عن النص الأصلي
ويعد الناقد الفرنسي “جيرار جينت ” في مقدمة النقاد الذين اهتموا بعتبات النص ومنها العنوان ” وجاء ذلك في كتابه
“عتبات النص “
وأصبح العنوان جزءًا من النص ، معبرًا عن كليته ، وأصبح
الكتَّاب المعاصرون يعطون للعنوان أهمية ، وعناية في الاختيار .
العنوان هنا “شانيل ” كلمة واحدة لكنها تعبر عن تأويلات عدة ..فشانيل أشهر ماركات العطر يتميز برائحةٍ جذابة راقية ..
وبترجمة الكلمة للعربية قد تعني القناة والصلة …
فالعطر في الأدب له خصوصيته ورمزيته..ويدل على جمال المرآة ،وأنوثتها ..وله وقع في النفس ،
فالعنوان هنا جذاب ، يثير حماس المتلقي ويدفعه لاستكشاف ماهيته بقراءة النص الأدبي واستكناه مضمونه ، ورؤيته وفلسفته .
——–؛؛؛؛؛؛؛———-
**من حيث المضمون وفنيات القصة .
يعكس النص مشهدًا دراميًا ، فالراوي هو نفسه البطل ..الذي يتنكر بزي أمرة بارتدائه العباءة والنقاب ،يبدو أنه كان ذاهبًا لعمل إرهابي لتفجير نفسه بحزام ناسف ..
وتعرض الكاتبة هنا حواره الداخلي
ومعاناته ، وترصد كذلك حال المجتمع ، وما فيه من تناقض ومعاناة . فكأنها تصور مشهدًا سينمائيًا ، جاء مكثفًا جامعًا
يصور هذا الرجل وهو في طريقه إلى المسجد ..ويصور معاناته الجسدية فيقول
“تلك العباءة تخنقني أكاد احترق في جوفها الذي يزداد ضيقًا والتصاقًا بجلدي .”
وكذلك معاناته النفسية
فيقول :- “إن لم أتردد أو أقف مجددًا “
ويظهر كذلك حنقه ورفضه للواقع ..
من خلال قوله :- مخلوقات عجيبة لا تستحق الحياة
وقوله ناقصات عقل ودين ..من يحضر أطفالًا للمسجد حقًا “
“سمعت من خلفي لغطًا لرجال تهافتوا على الدنيا بخيبة ،وقلة حيلة ،يتحدثون عن غلاء الأسعار وصعوبة الحياة “.
ثم يأتي اللحظة التي غيرت مجرى الأحداث ..وغيرت وجهة هذا الرجل وتفكيره ..
عندما غمره” عطر رقيق ” لينظر صاحبته فكانت من من شغلت قلبه
وأثر فيه عطرها قبل ذلك :؛ فيقول
حين غمرني سطوع عطر رقيق نظرت خلفي ورأيتها ،كانت هي تلك التي اقتلعت قلبي يومًا من مكانه وختمته بعطرها ،تتهادى بقامتها الناعمة في جاذبية غريبة كما روحي في الأحلام وتذوب في .
إنه أثر الحب ..الجمال الذي يبقى
شعاع النور والأمل في عتمة الحياة .
وهنا تغيرت الوجهة فركض بعيدًا وترك كل شيء ولكنه كان يريد فقط أن يتنفس عطرها .
——؛؛؛؛؛؛؛——–
**”من حيث الفنيات ..والحبكة الدرامية “
كتبت الأديبة النص في مشهدية عالية..فنحن لا نقرأ فقط بل نشاهد الأحداث تباعًا أيضًا..في تسلسل منطقي ودراما الحركة ؛ لتترك القاصة الكاميرا فتتحدث وحدها وتكشف الواقع .
اتسمت القصة بالتكثيف والإيحاز رغم عمق الرؤية وكثرة الأحداث..
واتكأت على الحداثة وما بعدها ..
من حيث التكثيف ، استخدام الجمل القصيرة ، الدخول للحدث مباشرة ..عدم وجود مجال للسرد أو الوصف والأطناب ؛ تماهي الزمان والمكان والشخصيات .
فلم يظهر الزمن الواقعي ،ولكن نجد الزمن النفسي
(الوقت الذي يسعى البطل لانقضائه حتى يتخلص من آلامه ومعاناته) ويظهر ذلك في قوله :-
“يفصلني عن بوَّابته المزخرفةِ المحفورةِ بعمقٍ داخلَ قلبي خمسُ دقائقَ”
فلا يبقى سوى العطر الذي هو مؤشرٌ للحب ، فالحب مكمن التغيير وفلسفته .
مبعث الأمل رغم. تكالب اليأس والصعاب ..
——-؛؛؛؛؛؛——–
“الحبكة الدرامية “
كتب “كونراد” لأحد أصدقائه: “يجب أن يكون لديك حبكة، إذا لم يكن لديك حبكة فسيأتي كل صحفي أحمق ويرفسك، لأنه لا يوجد أدب من دون حبكة”
فالحبكة الدرامية هي التي تظهر الأحداث وتبعث الحياة للنص من خلال الإثارة والشويق ،وبجد أن الكاتبة هنا استخدمت “الحبكة الدرامية المعقدة للصراع”
والتي نجد فيها تحول البطل ونكوصه عن الفعل .
جاءت هذه الحبكة ..في إطار من الأنثروبولوجيا الثقافية (: Cultural Anthropology) وتُسمّى أيضًا الأنثروبولوجيا الاجتماعية الثقافية..
التي تعبر عن علاقة الفرد بالمجتمع وثقافته ، وما في المجتمع من نقائض .وتعكس سلوك أفراد المجتمع ،وطريقة
تفكيرهم ..وإعادة اكتشاف ذاته .
بدأ النص باختناق حسي بقوله كان يدفعه لتأدية مهمته
فيقول ” تلكَ العباءةُ تخنقُني، أكادُ أحترقُ في جوفِها الذي يزدادُ ضيقًا”
وينتهي باختناق نفسي يدفعه لرفض هذا العالم الذي يعيش فيه ويطلع لرائحة العطر ، ووقع الحب فتصحح مساره ،
فيقول :- “
“لم أكنْ أشعرُ بالذنبِ أو الخوفِ أو الهلعِ، كنتُ أختنقُ…
كنتُ أريدُ فقط أن أتنفَّسَ عطرَها.”
——-؛؛؛؛؛؛——
***اللغة والأساليب والصور..
اللغة سلسة واضحة بعيدة عن الغرابة ، وقد استخدمت الكاتبة الأسلوب الخبري التقريري الذي يعتمد على دقة السرد وتكثيفة ، والجمل القصيرة المعبرة المروحية .

لا تعتمد الكاتبة على السرد المباشر، الذي يصل بنا للحدث مباشرة ..
وإنما تعتمد على اللغة السهلة الواقعية، ولكنها عميقة المعنى
ترتكز على الرمز والإيحاء والتلميح ..والبعد الميتافيزيقي
كما أنها تجيد التشكيل الدامي داخل العمل ، والإبداع
والإحساس داخل النص. وكتابة السيناريو
، ولا يخلو النص من التشويق والإثارة والمشهدية ، كذلك من المفارقة أو حدوث نتيجة تخالف المتوقع.
.اعتمد الكاتب على الرمز والإيحاء أكثر من التصوير ، وكثرة التصوير غير مرغوب فيه في العمل القصصي بشكل عام .
وفي قصتنا اعتمد الكاتب على الرمزية والجوانب النفسية
والسلوكية لشخصياتها .
—–؛؛؛؛؛——
***”تبقى من وجهة نظري “
١- رغم الدقة والتكثيف هناك بعض الجمل يمكن حذفها
مثل “أتمتم لنفسي” قلت لنفسي وأنا في تلك الحيرة “
فالحدث وما يوحي به أوقع من كلامه .
—–؛؛؛؛—–
قصة عامرة بجماليات الأدب وفنيات الإبداع ،
تحقق فيها الإبداع والإمتاع
تحياتي أسامـة نور

التعليقات مغلقة.