الإخراج الفني في النص القرآني..”حياة موسى” على شاشة القرآن.. بقلم . مجدى سالم.( 8 )..
في موسى وأسئلة بني إسرائيل..
… ” أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ….” سورة البقرة..
أولا.. في قصة البقرة التي وردت في سورة البقرة.. تقول الآية 67..
” وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ”.. وسيأتي تقديمها في ترجمة بني إسرائيل.. كأحد أبطال “حياة موسى”..
ثانيا.. مازلنا مع “حياة موسى” في سيناء بعد أن عبر بهم سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام البحر.. وغرق فرعون وملأه.. ويبدوا بنو إسرائيل في مواقفهم كالطفل المدلل.. أو كبعض الشعوب في الحكم الشيوعي.. إنهم يسألون موسى بلا حدود وكأنه مدين لهم وعليه أن يسدد دينه.. أو كأنهم أسدوا إليه معروفا ومعروفا وأن عليه أن يرد الجميل.. تقول سورة البقرة (108 – 109)..
” أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)”..
وقوله : { كما سئل موسى } تشبيهٌ وجهُه أن في أسئلة بني إسرائيل موسى كثيراً من الأسئلة التي تفضي بهم إلى الكفر كقولهم : { اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } [ الأعراف : 138 ] أو من العجرفة كقولهم : { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } [ البقرة : 55 ] فيكون التحذير من تسلسل الأسئلة المفضي إلى مثل ذلك . ويجوز كونه راجعاً إلى أسئلة بني إسرائيل عما لا يعنيهم وعما يجر لهم المشقة كقولهم { ما لونها } [ البقرة : 69 ] و { ماهي } [ البقرة : 7 ]..
ويقول المفسرون عن هذه الأسئلة.. ينهى الله تعالى عن كثرة سؤال الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن الأشياء قبل كونها .. كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم ) [ المائدة : 101 ] أي : وإن تسألوا عن تفصيلها بعد نزولها تبين لكم .. ولا تسألوا عن الشيء قبل كونه ; فلعله أن يحرم من أجل تلك المسألة . ولهذا جاء في الصحيح : ” إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم .. فحرم من أجل مسألته ” .
ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن قيل وقال .. وكثرة السؤال .. وإضاعة المال.. وفي صحيح مسلم : ” ذروني ما تركتكم .. فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم .. فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم .. وإن نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ” .
وهكذا قال أنس بن مالك : نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء .. فكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع .
عن البراء بن عازب .. قال : إن كان ليأتي علي السنة أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فأتهيب منه.. وإن كنا لنتمنى الأعراب.. وعن سعيد بن جبير .. عن ابن عباس .. قال : ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .. ما سألوه إلا عن اثنتي عشرة مسألة .. كلها في القرآن..
كما قال تعالى :” يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ” [ النساء : 153 ] ..
وعن ابن عباس .. قال : قال رافع بن حريملة أو وهب بن زيد : يا محمد.. ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرأه.. وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك.. فأنزل الله من قولهم : ” أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل “..
وعن الربيع بن أنس .. عن أبي العالية في الآية.. قال رجل : يا رسول الله .. لو كانت كفاراتنا كفارات بني إسرائيل ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” اللهم لا نبغيها – ثلاثا – ما أعطاكم الله خير مما أعطى بني إسرائيل .. كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفارتها .. فإن كفرها كانت له خزي في الدنيا .. وإن لم يكفرها كانت له خزي في الآخرة . فما أعطاكم الله خير مما أعطى بني إسرائيل ” . قال : ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) [ النساء : 110 ] ..
وقال مجاهد إن بني إسرائيل طلبوا من رسولهم أن يريهم الله جهرة .. قال : سألت قريش محمدا صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا.. قال : ” نعم وهو لكم كالمائدة لبني إسرائيل إن كفرتم ” .. فأبوا ورجعوا..
فالله ذم من سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء .. على وجه التعنت والاقتراح .. كما سألت بنو إسرائيل موسى .. عليه الصلاة والسلام .. تعنتا وتكذيبا وعنادا ..
قال الله تعالى : ( ومن يتبدل الكفر بالإيمان ) أي : من يشتر الكفر بالإيمان
( فقد ضل سواء السبيل ) أي : فقد خرج عن الطريق المستقيم إلى الجهل والضلال وهكذا حال الذين عدلوا عن تصديق الأنبياء واتباعهم والانقياد لهم .. إلى مخالفتهم وتكذيبهم والاقتراح عليهم بالأسئلة التي لا يحتاجون إليها .. على وجه التعنت والكفر .. كما قال تعالى : ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار ) [ إبراهيم : 28 .. 29 ] .. من تفسير بن كثير..
نراكم في الحلقة القادمة إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.